الجوكر: أزمة الإنسان المعاصر

عمر العمري
featuredصحافة وإعلام
عمر العمري11 ديسمبر 2019آخر تحديث : الأربعاء 11 ديسمبر 2019 - 9:03 صباحًا
الجوكر: أزمة الإنسان المعاصر

محمد علي لعموري
الفيلم الجديد للمخرج تود فيليبس، يحكي عن فترة زمنية ماضية، بمقاييس وجودة واحترافية العمل السينمائي المعاصر.
بطولة الفيلم يؤديها الممثل خواكين فوينيكس (Joaquin Phoenix)، رجل هزمته الحياة في أن يكون ذا شهرة وأن يحقق طموحاته.. مرضه النفسي حال دوما دون أن يصل لمبتغاه، لكنه ذو خيال واسع، ففي كل مرة يشاهد التلفاز ليتفرج على برنامج حواري منشطه إعلامي ناجح (أدى الدور الممثل الكبير روبيرت دينيرو)، يتخيل نفسه ضيفا على ذلك البرنامج، وأنه شخص مشهور يستعرض نجاحاته أمام جمهوره…

هو شخصية مهووسة بالإثارة النفسية، يتقمص دور فنان ناجح شهير فيتمثل شخصية ما، ثم لا يلبث أن يلعبها مع نفسه داخل البيت وفي بعض الأماكن المغلقة…وحين تستفزه صعوبات ومشاكل الحياة يطلق قهقهة عجيبة تثير استغراب الناس من حوله.

له أم طاعنة في السن يرعاها بالبيت، هي من تهرع؛ كلما أعوزتها الحاجة؛ لطلب الإعانة من ثري كانت تشتغل لدى عائلته ذات زمن قبل أن تغادرها بسبب مرض نفسي ألم بها.
شخصية الجوكر تحتمل أكثر من قراءة واحدة، البعد النفسي حاضر هنا بقوة، والبعد الحضاري كذلك والبعد الإجتماعي له مكانته فيما يعتمل داخل الفيلم من أحداث.

سأركز على البعد النفسي الذي يبدو جليا من خلال تصرفات البطل ( الجوكر )، فهي شخصية متقلبة تعكس اضطهادا لها من مجتمع يسخر منها ويجعل منها شخصية مرتكسة على ذاتها وتتصرف بالمقابل وفق سلوك باعث على الغرابة.

المرض الذي أبانت عنه شخصية الجوكر كانت الكاتبة الأمريكية كريستين ريبورتر قد شخصته في مقال لها ويسمى “التأثير البصلي الكاذب ” Pseudobulbar Affect ، وهو مرض يتسم فيه صاحبه بعدم الثبات العاطفي، كفقدان السيطرة على عواطفه كحالة البكاء الهستيري أو الضحك الهستيري..

الجوكر هو عارض بهلواني يتقمص أدوارا في الحياة المهنية التي يريد من خلالها تقديم عرض مغري عله يعجب الناس فتصفق له وتمنحه المال يعتاش به. وربما نقله اجتهاده في تقمص الشخصية من مستوى الهاوي إلى الإحتراف ثم الشهرة المحلية فالعالمية..

في حالة الجوكر الذي يتحدث عنه الفيلم، تبدو شخصية الهاوي فاشلة ذليلة نكلت بها الظروف والأيام لتصنع منها شخصية مضطربة لاجئة للعلاج النفسي من خلال الجلسات التي كان يلتزم بها دون إحراز تقدم يذكر.

فكرة التحول أو الإنتقال من مستوى الفشل الذريع والحظ العاثر إلى مستوى الإثارة والتشويق سيبدأ بعد ارتكابه لجريمة قتل في مترو الأنفاق لتنتهي عند صانع الفرجة الذي سيستظيف شخصية الجوكر في إحدى حلقات البرنامج على المباشر، ليدخل البطل متخايلا يعكس شخصيته المريضة المحبة لعظمة أناه على صعيد التقمص والتخييل والعرض الذي سينهي به حياة المذيع أمام الملأ.

هكذا رأى الجوكر تحرر شخصيته من أسر الماضي حين قتل أمه الطاعنة في السجن، وقتل الرجل الثري الذي أهانه وصرح له بحقيقة تبنيه من طرف المرأة التي كانت تعنفه في طفولته ولم تمنحه الحب الكافي لينشأ سويا.

جرائم القتل التي ارتكبها الجوكر ستشهره لا محالة وهذا ما يبغيه البطل خاصة حين أجهز على منشط البرنامج ليلقى عليه القبض في لحظة خروج المتمردين على السياسة المتبعة بالمدينة، هؤلاء الذين وضعوا أقنعتهم للقيام بأعمال تخريبية يعاقب عليها القانون.

سيحال الجوكر على مصحة للأمراض النفسية لتلقي العلاج، لكن بعد أن أصبح حديث الناس وقد حقق لنفسه بعض الشهرة على أنقاض ضحاياه.

الخلاصة يمكن استنتاجها من فوضى الحياة السياسية وسياسة المدينة ووحش الرأسمالية الذي يلتهم في طريقه كل الفقراء والضعفاء وقليلي الحيلة…

الجوكر هو صرخة مريض حكمت عليه الظروف أن يعيش الفقر واليتم والتبني وطفولة مغتصبة وعقدا نفسية وفردانية موحشة ورأسمالية متوحشة وسياسة مدينة تغوص في الأزبال والقاذورات.

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.