محمد علي لعموري
بعد تحرير معبر الكركرات من طرف الجيش المغربي ، وعودة الحركية الإقتصادية على الحدود ما بين المغرب وموريتانيا ، وبعد صدور الإعلان الأمريكي الذي تعترف فيه الرئاسة الأمريكية الحالية بمغربية الصحراء الغربية ، والقرار الأمريكي بفتح قنصلية ذات طابع اقتصادي بمدينة الداخلة ، وقرار المغرب السيادي بعودة الدفء الديبلوماسي بين الرباط وتل أبيب ، استشاطت الجزائر غضبا وحنقا ، ووقعت تحت تأثير الصدمة بسبب هذه الوتيرة السريعة التي تتحرك بها المملكة باتجاه تكريس وضع قائم على الأرض وتعزيزه بافتتاح قنصليات دول عربية في مدن مغربية صحراوية ، الشيء الذي جعل الرئيس الجزائري المريض يوجه رسائل سياسية لطمأنة الشعب الجزائري الذي كان يتساءل عن مصير رئيسه الذي اختفى لمدة شهرين ، ولتتحرك المخابرات الجزائرية في محاولة منها لتقويض هذا القرار على الصعيد الخارجي بتمويل جهات مناوئة للرئيس ترامب ومحاولة اختراق فريق الرئيس الجديد بايدن وذلك لحث الرئاسة المقبلة على العدول عن القرار الذي أوجع جبهة بوليزاريو وصدم الجزائر.
كل هذا التحرك المناوىء للمصالح العليا والإستراتيحية للوطن من طرف النظام العسكري الجزائري مكشوفة ومتوقعة ، والنظام المغربي يتعامل معها بتبصر وذكاء ، لكن الذي لا يقبله الذوق العام المغربي الذي له حساسية من توظيف الدين في مسالة سياسية ، هو محاولة إقحام الشعب الجزائري في معمعة التوجه العدائي للطغمة العسكرية ذات العقيدة الثابتة في استهداف المصلحة العليا للمغرب ، وذلك بتوظيف خطباء الجمعة عبر توزيع مذكرات وزارية وخطب ليوم الجمعة من أجل شيطنة المغرب ودولته وحتى شعبه ، والدعاء عليه بأقدح الأدعية التي تنم عن كراهية وعن عنف لفظي كاشف لتوجهات حكام قصر المرادية في شن هجوم مخبول وغير مقبول من طرف النظام الجزائري ، كل ذلك من أجل المشاكسة ضد القضية الأولى للمغرب وللمغاربة وهي الصحراء المغربية.
إن وظيفة المسجد منذ ظهور أول مسجد في الإسلام وهو المسجد النبوي هي الصلاة والتعبد والدعاء بالخير للنفس وللمسلمين وحتى لغير المسلمين ، وقد شجب القرآن نوعية المساجد التي تخالف في توجهها الطابع الروحي والديني لها ، والتي تصبح بوقا لممارسة السياسة ، أو لتصريف صوت المعارضة ، أو للتحريض على الكراهية ، أو الدعوة إلى الفتنة أو إلى الحرب ، فانتقد ذلك المسجد الذي بناه المنافقون في عصر النبي لغير التعبد والذكر والصلاة وابتغاء وجه الله ، واصفا إياه بالمسجد الضرار.
جاء في سورة التوبة الآية 107 : { والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين وإرصادا لمن حارب الله ورسوله من قبل وليحلفن إن أردنا إلا الحسنى والله يشهد إنهم لكاذبون، لا تقم فيه أبدا…} الآية.
جئنا على ذكر هذه الآية القرآنية للدلالة على أن مثل هذه المساجد ذات الطابع التحريضي الداعي إلى العنف وإلى الكراهية بين المسلمين والتي تؤلب وشائج الحماسة لتعبئة الناس ضد أشقاء لهم في بلد مجاور ، هو حرب على دول الجوار ، وقد حظره القرآن ، لأن مثل هذه المساجد التي تستغل لاستدرار عطف الشعوب ، وذلك بالعزف على الوتر الحساس لديها ، وتحريك العاطفة الجمعية لكسب الأصوات الشعبية عند كل حرد سياسي بين الأنظمة السياسية المتصارعة ، والذي ليست للشعوب فيه لا ناقة تحمل ولا جمل يثقل ، لهو اللعب بالنار التي قد تشتعل في تلابيب من يوقظها في كنفه ولا يلقي بالا لتبعاتها على دول الجوار.
ولنا في الوضع السوري خير مثال على ما آلت إليه بلاد الشام من كوارث ومآسي بسبب التحريض والتكالب والحرب والتي لم تتوقف عند الأرض السورية بل تعدتها لتشمل دول الجوار مثل العراق التي قضمت أرضها من طرف داعش قبل أن تتحرر فيما بعد.
إن هديان وسعار الحكام في قصر المرادية لا ينتهي ، ونتمنى أن يعودوا لرشدهم ، ذلك أن يد المغاربة مفتوحة إليهم وما عليهم سوى التقاط الإشارة والإستجابة لمنطق حسن الجوار الذي يبديه المغرب تجاههم ، فالعالم يتغير والجغرافية لن تتغير ، ولهذا فالتاريخ لا يحكي سوى ما جرى ، وسيحمل كل واحد مسؤولية إضاعة الفرص المتاحة ، وعندها لا مجال للندم ولا للتأسف.
المصدر : https://dinpresse.net/?p=12734