التوجيهات التربوية من خلال خطاب الآباء للأبناء كما جاءت في القرآن الكريم

دينبريس
2021-08-09T13:01:13+01:00
دراسات وبحوث
دينبريس9 أغسطس 2021آخر تحديث : الإثنين 9 أغسطس 2021 - 1:01 مساءً
التوجيهات التربوية من خلال خطاب الآباء للأبناء كما جاءت في القرآن الكريم

ذ. محمد جناي
ينفرد القرآن الكريم بأسلوبه الرائع في بناء العقيدة الإسلامية في النفس الإنسانية، فهو لا يستخدم العقل وحده ولا العاطفة وحدها، بل يربي العقل والعاطفة معا، ويعمد التدرج في مخاطبة العقل البشري من المحسوس إلى المجرد ومن الحاضر إلى الغائب ، ثم ينتقل بعد ذلك إلى بيان حقيقة الموجد للمخلوقات وأنه هو المستحق للعبادة وحده دون سواه.

وقد أشار القرآن الكريم إلى بداية التكوين الأسري في قوله تعالى في سورة النساء : ” يَٰٓأَيُّهَا اَ۬لنَّاسُ اُ۪تَّقُواْ رَبَّكُمُ اُ۬لذِے خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٖ وَٰحِدَةٖ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاٗ كَثِيراٗ وَنِسَآءٗۖ وَاتَّقُواْ اُ۬للَّهَ اَ۬لذِے تَسَّآءَلُونَ بِهِۦ وَالَارْحَامَۖ إِنَّ اَ۬للَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباٗۖ “، فالآية تحمل في طياتها الخطوط الأولى للتكوين الأسري، فالنفس الواحدة تشتق منها نفس أخرى لتتعاون النفسان في البناء المشترك، لتكوين خلية اجتماعية تكون منطلقا نحو مجتمع متماسك.

ونظرا لما تضطلع به الأسرة من دور تربوي فعال ومؤثر عدها كثير من العلماء المرجعية الرئيسة في حياة الأبناء، يستمدون منها قيمهم وأهدافهم ومعاييرهم وأساليب تصرفاتهم؛ فصلاح الآباء مقدمة أساسية لصلاح الأبناء الذين يتحملون المسؤولية بالدرجة الأولى عن سلامة فطرتهم، لما يملكون من أثر كبير في تعليمهم وتوجيههم، كما عبر عن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: “ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء”.

أشار القرآن الكريم إلى طبيعة الآباء الحريصة على هداية الأبناء ، لما فيه خيرهم وتجنيبهم المفاسد والشرور، ودليل ذلك ما جاء في قوله تعالى في سورة إبراهيم على لسان نبي الله إبراهيم عليه السلام :” وَإِذْ قَالَ إِبْرَٰهِيمُ رَبِّ اِ۪جْعَلْ هَٰذَا اَ۬لْبَلَدَ ءَامِناٗ وَاجْنُبْنِے وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ اَ۬لَاصْنَامَۖ”، وقد حفز المولى -سبحانه وتعالى- الآباء على تحمل مسؤولياتهم تجاه تربية الأبناء كما تبين في قوله تعالى في سورة الطور:”وَالذِينَ ءَامَنُواْ وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَٰنٍ اَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّٰتِهِمْ وَمَآ أَلَتْنَٰهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَےْءٖۖ كُلُّ اُ۪مْرِےِٕۢ بِمَا كَسَبَ رَهِينٞۖ “، ويعقب الشيخ السعدي على الآية بقوله:” وهذا من تمام نعيم الجنة أن ألحق الله بهم ذريتهم الذين اتبعوهم بإيمان؛ أي : الذين لحقوهم بالإيمان الصادر من آباءهم فصارت الذرية تبعا لهم بالإيمان ، فألحقهم الله بمنازل آباءهم في الجنة وإن لم يبلغوها جزاءََ لآبائهم وزيادة في ثوابهم ، ولتقر أعين الآباء دون أن ينقص الله من أعمالهم شيئا”.

ومن أبرز التوجيهات التربوية المتضمنة في خطاب الآباء للأبناء كما جاءت في القرآن الكريم مايلي:

أولا: التوجيهات التربوية للأبناء في المجال الإيماني
الجانب الإيماني عنصر أساسي في بناء الشخصية المسلمة الفاعلة والمتميزة، فالإيمان منبع الاستقامة التي لا تتحقق بغيره، ويتضح ذلك من خلال توجيه النبي صلى الله عليه وسلم لسفيان بن عبد الله الثقفي حينما سأله : يارسول الله ، قل لي في الإسلام قولا لا أسأل عنه أحدا بعدك؟ فقال له : ” قل آمنت بالله ثم استقم”، ويمكن تلخيص أبرز التوجيهات التربوية في المجال الإيمانية -من خلال خطاب الآباء الموجه لأبنائهم كما جاء في القرآن الكريم- على النحو الآتي:

* الدعوة إلى توحيد الله عز وجل ونبذ الشرك: ونلمس ذلك من خلال قوله تعالى -على لسان لقمان الحكيم-:”وَإِذْ قَالَ لُقْمَٰنُ لِابْنِهِۦ وَهُوَ يَعِظُهُۥ يَٰبُنَيِّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِۖ إِنَّ اَ۬لشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٞۖ” (لقمان :12)، ولقد حذر لقمان ابنه من الشرك لكونه ظلما عظيما وجاء في تفسير الآية أن الشرك عظيم؛ لأنه يساوي بين الله المستحق للعبادة وحده وبين من لا يستحقونها من الأوثان وغيرها من المعبودات والشرك ظلم بحقه؛ لأنه يساوي بين من لا نعمة إلا منه ومن لا نعمة منه، ولهذا أشار القرآن الكريم إلى إرشاد الآباء أبناءهم إلى الثبات على عقيدة التوحيد.

* التعريف بقدرة الله تعالى وسعة علمه: ويتضح ذلك من خلال قوله تعالى على لسان لقمان الحكيم حينما خاطب ابنه :”يَٰبُنَيِّ إِنَّهَآ إِن تَكُ مِثْقَالُ حَبَّةٖ مِّنْ خَرْدَلٖ فَتَكُن فِے صَخْرَةٍ اَوْ فِے اِ۬لسَّمَٰوَٰتِ أَوْ فِے اِ۬لَارْضِ يَاتِ بِهَا اَ۬للَّهُۖ إِنَّ اَ۬للَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٞۖ “(لقمان :15)، ومعنى الآية أنه لو كان للإنسان في تلك المواقع (السموات والأرض) مثقال حبة من خردل ، جاء الله بها حتى يسوقها إلى من هو رزقه، فلا ينشغل في البحث عن الرزق عن أداء الفرائض.

* الدعوة إلى الإيمان بالبعث يوم القيامة: ونلمس تلك الدعوة في الحوار الدائر بين الأبوين وولدهما الجاحد ، والذي جاء ذكره في محكم التنزيل بقوله تعالى:”وَالذِے قَالَ لِوَٰلِدَيْهِ أُفّٖ لَّكُمَآ أَتَعِدَٰنِنِيَ أَنُ ا۟خْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ اِ۬لْقُرُونُ مِن قَبْلِے وَهُمَا يَسْتَغِيثَٰنِ اِ۬للَّهَ وَيْلَكَ ءَامِنِ اِنَّ وَعْدَ اَ۬للَّهِ حَقّٞ فَيَقُولُ مَا هَٰذَآ إِلَّآ أَسَٰطِيرُ اُ۬لَاوَّلِينَۖ “(الأحقاف:16)،لقد وجه الوالدان ابنهما إلى الإيمان بالبعث بعد الموت وهو أعظم إحسان يصدر من الوالدين لولدهما أن دعواه إلى ما فيه سعادته الأبدية وفلاحه السرمدي، وتدل الآية على أن الأبوين قد بذلا غاية جهدهما وسعيهما في هداية ولدهما حتى إنهما استغاثا بالله عز وجل ، كما يستغيث الغريق ويسأل الشريق.

* التأكيد على الأمل في رحمة الله وعدم اليأس منها: وقد عبر عن هذا التوجيه التربوي ما جاء على لسان نبي الله يعقوب عليه السلام في محكم التنزيل :” يَٰبَنِيَّ اَ۪ذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِنْ يُّوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَاْيْـَٔسُواْ مِن رَّوْحِ اِ۬للَّهِۖ إِنَّهُۥ لَا يَاْيْـَٔسُ مِن رَّوْحِ اِ۬للَّهِ إِلَّا اَ۬لْقَوْمُ اُ۬لْكَٰفِرُونَۖ” (يوسف:87)، لقد نهى نبيل الله يعقوب عليه السلام أبناءه عن اليأس من رحمة الله عز وجل ، وأبان لهم أن هذه الصفة من صفات الكافرين وأن الثقة بالله عز وجل منزلة عالية من منازل المؤمنين ولولا عظيم ثقة أم موسى بربها لما ألقت بولدها وفلذة كبدها في تيار الماء يتلاعب به أمواجه.

ومن الجدير ذكره في هذا المقام أن الثقة برحمة الله عز وجل تحفز الفرد المسلم على المبادرة إلى الأعمال والواجبات بقوة وصلابة ونفس مطمئنة، ولا تعني الثقة برحمة الله عز وجل بأي شكل السلبية والانكفاء وترك الأخذ بالأسباب، وهذا ما تأكد من الآية الكريمة السابقة؛ إذ أمر يعقوب عليه السلام أبناءه بالتحرك والمبادرة والتجسس الذي يعني السعي في الخير وطلبه بالحاسة ، على خلاف التجسس ، فهو يكون في الشر وطلب الكشف عن العورات.

ثانيا: التوجيهات التربوية للأبناء في المجال التعبدي
حدد القرآن الكريم الغاية العظمى من خلق الإنسان ، وهي التي تتجلى في عبادة الله عز وجل كما يتضح من قوله تعالى :”وَمَا خَلَقْتُ اُ۬لْجِنَّ وَالِانسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِۖ” (الذاريات :56)، وتظهر لنا العبادات أعمالا روحية عميقة الجذور ترتبط بمعان سامية تنبع من فطرة الإسلام ، وتقوم بتنظيم حياة المسلم، والسر في العبادات أنها ترتبط كلها بمعنى العبودية لله وحده وتلقي تعاليمه وأوامره، مما يعمل على توحيد نوازع الإنسان كلها وبرمجة النفس على الخضوع الدائم لأوامر الله.

وتزود العبادات الإنسان دائما بشحنات متتالية من القوة المستمدة من الصلة بالله عز وجل ، والثقة بالنفس المستمدة من الثقة بالله ، ويحرص الإسلام على استمرار هذه الشحنات الحية التي تعبئ القلب وتنير له الطريق في أصعب الظروف وأحلكها، فينهض من كبوته كلما تعثر، ويستنير بنور العبادة والصلة بالله كلما أظلم ما حوله حتى يقصد عبادة الله في كل أعماله ومعاملاته.

وتتجلى أبرز التوجيهات التربوية في المجال التعبدي من خلال دائما خطاب الآباء الموجه لأبنائهم كما جاءت في القرآن الكريم على النحو الآتي:

* الحث على العبودية الخالصة لله عز وجل :ونلمح ذلك من خلال قوله تعالى في حق نبيه يعقوب عليه السلام :” وَأَوْص۪يٰ بِهَآ إِبْرَٰهِيمُ بَنِيهِۖ وَيَعْقُوبُ يَٰبَنِيَّ إِنَّ اَ۬للَّهَ اَ۪صْطَف۪يٰ لَكُمُ اُ۬لدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَۖ * أَمْ كُنتُمْ شُهَدَآءَ ا۪ذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ اَ۬لْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنۢ بَعْدِےۖ قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَٰهَكَ وَإِلَٰهَ ءَابَآئِكَ إِبْرَٰهِيمَ وَإِسْمَٰعِيلَ وَإِسْحَٰقَ إِلَٰهاٗ وَٰحِداٗ وَنَحْنُ لَهُۥ مُسْلِمُونَۖ “(البقرة:131/132)، فالوصية في الآية تركزت في الحث على التزام عقيدة الوحدانية في العبادة وإسلام القلب لله تعالى والإخلاص له ومن الجدير ذكره أن العبودية لله عز وجل تحرر الإنسان من كل أشكال العبودية لغيره؛ فهي تحرره من العبودية لنزواته وأهوائه وشهواته المادية ، كما تقيه من الوقوع في شرك العبودية للأشخاص التي أشار إليها قوله عز وجل :” اَ۪تَّخَذُوٓاْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَٰنَهُمُۥٓ أَرْبَاباٗ مِّن دُونِ اِ۬للَّهِ وَالْمَسِيحَ اَ۪بْنَ مَرْيَمَۖ وَمَآ أُمِرُوٓاْ إِلَّا لِيَعْبُدُوٓاْ إِلَٰهاٗ وَٰحِداٗۖ لَّآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۖ سُبْحَٰنَهُۥ عَمَّا يُشْرِكُونَۖ “(التوبة :31).

*الحث على إقامة الصلاة: وهي من العبادات الأساسية التي فرضها الله عز وجل على عباده، لقوله تعالى :”إِنَّ اَ۬لصَّلَوٰةَ كَانَتْ عَلَي اَ۬لْمُومِنِينَ كِتَٰباٗ مَّوْقُوتاٗۖ (النساء:102)،وهي تمثل قوة روحية نفسية تعين الفرد على تحمل المصاعب والمواقف الضاغطة في الحياة بثبات وقد أمر الله جلت حكمته عباده المؤمنين أن يستعينوا بها في قوله تعالى :” يَٰٓأَيُّهَا اَ۬لذِينَ ءَامَنُواْ اُ۪سْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلَوٰةِۖ إِنَّ اَ۬للَّهَ مَعَ اَ۬لصَّٰبِرِينَۖ “(البقرة:152) وقد حث لقمان ابنه على إقامة الصلاة كما بين القرآن ذلك على لسانه مخاطبا ابنه :”يَٰبُنَيِّ أَقِمِ اِ۬لصَّلَوٰةَ “(لقمان :16)، وقد حث الرسول صلى الله عليه وسلم الآباء على أمر أولادهم بالصلاة في سن السابعة وضربهم على التقصير فيها إذا بلغوا سن العاشرة كما جاء في الحديث الشريف :” مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين واضربوهم عليها وهم أبناء عشر ، وفرقوا بينهم في المضاجع”.

والصلاة وسيلة فاعلة في وقاية الأبناء من الانحراف السلوكي ؛ لأنها تنهي عن الرذائل والمنكرات، كما جاء في قوله تعالى :”إِنَّ اَ۬لصَّلَوٰةَ تَنْه۪يٰ عَنِ اِ۬لْفَحْشَآءِ وَالْمُنكَرِۖ وَلَذِكْرُ اُ۬للَّهِ أَكْبَرُۖ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَۖ “(العنكبوت:45)، ويشير قطب في ظلاله إلى أن المداومة على الصلاة توثق صلة القلب بالله عز وجل ، فيجد المصلي لحياته غاية أعلى من أن تستغرق في الأرض وحاجاتها، ويتولد لديه الشعور بأنه موصول بخالق المخاليق، وهذا بحد ذاته مصدر قوة للضمير وبلوغ التقوى.

ثالثا: التوجيهات التربوية للأبناء في المجال الاجتماعي
البعد الإجتماعي عنصر أساسي في الشخصية المسلمة ؛فالمسلم مدعو إلى الوعي الشامل من خلال التأمل والتدبير والتفكر في ملكوت السموات والأرض، وفي الحياة وما بعد الحياة ، وتقوم الحياة الاجتماعية على دوافع غريزية فطرية كامنة في نفس كل إنسان، وقد أودع الله في غريزة كل أمة من الخلائق الانصياع إلى النظام الاجتماعي الذي يناسبها بغريزتها، والإنسان وهو أمة من هذه الأمم لايعيش إلا منتظمة في جماعة، ولذا كان من أبرز مقاصد التنشئة الاجتماعية تشكيل أفراد إنسانيين قادرين على الاندماج في الإطار العام للجماعة ، متكيفين مع أنماطها وقيمها،وتحويله تدريجيا من كائن متمحور حول نفسه وحاجاته البيولوجية إلى كائن اجتماعي ويمكن إجمالها على النحو الآتي:

*الالتزام بالآداب الاجتماعية في التعامل مع الآخرين: والأدب هو اجتماع خصال الخير في العبد، وقيل :الأدب هو معرفة النفس ورعونتها ، وتجنب تلك الرعونات ، فلا ينفع العلم بغير أدب ، فالأدب هو القيد الحسن الذي يقي الأخلاق من الانحراف والجنوح والشطط، ورغب الرسول المعلم صلى الله عليه وسلم الآباء بتأديب أولادهم من خلال قوله مخاطبا إياهم :” والله لأن يؤدب أحدكم ولده خير له من أن يتصدق كل يوم بنصف صاع”،ويمكن تلخيص الآداب الاجتماعية المتضمنة في خطاب الآباء لأبنائهم كما جاءت في القرآن الكريم على النحو الآتي:

* الحث على الصبر في التعامل مع الناس ونلمس ذلك في خطاب لقمان لابنه،كما جاء في محكم التنزيل:”وَاصْبِرْ عَلَيٰ مَآ أَصَابَكَۖ إِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ اِ۬لُامُورِۖ “(لقمان:16)، فالصبر قوة خُلقية من قوى الإرادة تمكن الإنسان من ضبط نفسه لتحمل المتاعب والمشقات والآلام ، وضبطها عن الاندفاع بعوامل الضجر والجوع والسأم والملل والعجلة والرعونة والغضب والجيش ، وبالصبر يتمكن الإنسان بطمأنينة وثبات من وضع الأشياء في مواضعها ، ويتصرف في الأمور بعقل واتزان ويعد الصبر ضرورة حياتية لكل عمل نافع وإيجابي.

*التواضع للناس والتحذير من التعالي عليهم :جاء على لسان لقمان الحكيم قوله تعالى :”وَلَا تُصَٰعِرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ” (لقمان:17).

* تجنب الخُيلاء والإعجاب بالنفس: جاء في قوله تعالى على لسان لقمان وهو يخاطب ابنه:” وَلَا تَمْشِ فِے اِ۬لَارْضِ مَرَحاًۖ اِنَّ اَ۬للَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٖ فَخُورٖۖ “(لقمان:17) وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم بشدة من مرض العُجب معتبره من المهلكات، ومرض العجب من العوامل التي تفقد صاحبه سمة المرونة الفكرية ، وتحرمه الاستفادة من خبرات الآخرين وتجاربهم، ومن ثم تعيق تطور قدراته وإمكاناته.

* التحذير من إفشاء ما ينبغي كتمانه من الأسرار: لما أخبر يوسف أباه يعقوب عليهما السلام بما رأى في المنام أرشده إلى عدم البوح به ، وقد عرض القرآن الكريم لنا هذا المشهد التربوي المتضمن نصيحة من الأب لابنه في قوله تعالى:” قَالَ يَٰبُنَيِّ لَا تَقْصُصْ رُءْي۪اكَ عَلَيٰٓ إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْداًۖ اِنَّ اَ۬لشَّيْطَٰنَ لِلِانسَٰنِ عَدُوّٞ مُّبِينٞۖ (5) وَكَذَٰلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَاوِيلِ اِ۬لَاحَادِيثِۖ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُۥ عَلَيْكَ وَعَلَيٰٓ ءَالِ يَعْقُوبَ كَمَآ أَتَمَّهَا عَلَيٰٓ أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَٰهِيمَ وَإِسْحَٰقَۖ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٞۖ “(يوسف:6)،ويكون الكتمان فضيلة نافعة إذا كان في أمر ينبغي كتمانه وعدم إفشائه؛ لأن المصلحة المعقولة والمشروعة تقتضي كتمانه.

وختاما
ينبغي أن تبادر الأسرة المسلمة إلى القيام بربط الأبناء بتاريخ الأجداد وتراثهم الوضاء المشرف ، حتى يظلوا على صلة بهذا التراث الأصيل متمسكين بقيمه ومقتدين بأهل الخير والرشاد ورواد الإصلاح في الشعوب والأمم ، مما يسهم في ترسيخ الهوية الإسلامية والمحافظة عليها، ووقايتها من الاختراق الفكري الثقافي في عالم يضج “بالإيدولوجيات “والأفكار والمذاهب الهدامة التي تستهدف عقول الأبناء وإفساد هويتهم.
ـــــــــــــــــــــ
هوامش:
(1): الأسرة المسلمة في ظل التغيرات المعاصرة ، تحرير رائد جميل عكاشة و منذر عرفات زيتون ، الطبعة الأولى 2015، المعهد العالي للفكر الإسلامي ، دار الفتح للدراسات والنشر.
(2): تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان ، للشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي، مؤسسة الرسالة ، الطبعة الأولى 2000.

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.