مسجد باريس
20 مارس 2025 / 10:10

التوترات الفرنسية الجزائرية تمتد إلى الحقل الديني

دين بريس ـ سعيد الزياني
تشهد العلاقات الفرنسية الجزائرية تصعيدا دبلوماسيا مستمرا، انعكس على مختلف المجالات، بما في ذلك الحقل الديني، حيث وجد مسجد باريس الكبير نفسه في صلب الجدل السياسي المتزايد.

وكان هذا المسجد رمزا للعلاقة المعقدة بين باريس والجزائر، لكنه أصبح اليوم محور نقاش حاد حول دوره وتأثيره في ظل التحولات التي تشهدها السياسة الفرنسية تجاه المؤسسات الإسلامية.

وجاءت أحدث مظاهر هذا التوتر خلال مأدبة إفطار السفراء التي نظمها المسجد مؤخرا، حيث حضر وزير الخارجية الفرنسي “جان-نويل بارو”، بينما غاب وزير الداخلية “برونو ريتايو”، وهو ما أثار تساؤلات حول دلالات هذا الغياب في سياق الأزمة الراهنة.

وتفاقمت التوترات بين باريس والجزائر على خلفية رفض الحكومة الجزائرية استقبال قائمة من المرحلين الجزائريين من فرنسا، وهو ما اعتبرته باريس تحديا لمصالحها.

وخلال كلمته في الإفطار، أكد جان-نويل بارو أن فرنسا حريصة على الحفاظ على علاقتها مع الجزائر، معتبرا أن الأزمة الحالية لا تخدم أيا من الطرفين، لكنه في الوقت ذاته شدد على أن باريس لن تقدم أي تنازلات بشأن مصالحها، مشيرا إلى أن التعامل مع التوترات سيتم “باحترام، لكن بحزم ودون تهاون”.

وجاءت تصريحاته هذه وسط تصاعد التوتر بعد اعتقال الكاتب الجزائري بوعلام صنصال، وهو ما أثار موجة انتقادات واسعة في فرنسا، دون أن يصدر أي تعليق رسمي من مسجد باريس حول القضية.

وحاول شمس الدين حفيظ، عميد مسجد باريس الكبير، تهدئة الأوضاع بالدعوة إلى “طريق التهدئة”، مشددا على أن المسجد يعمل كجسر بين الجزائر وفرنسا، وليس كأداة سياسية.

ورغم هذا الخطاب التصالحي، فإن الانتقادات الموجهة للمؤسسة لم تتراجع، خصوصا في ظل استمرار التمويل الجزائري السنوي الذي يقدر بحوالي 2 مليون يورو، هذا التمويل جعل المسجد الكبير موضع اتهام متزايد بالتبعية للجزائر، خاصة بعد تورطه في جدل سابق حول احتكار سوق شهادات الحلال بالتعاون مع السلطات الجزائرية، كما أن قرار المسجد بعدم المشاركة في المسيرة ضد معاداة السامية في نوفمبر 2023 زاد من حدة الانتقادات، حيث اعتبر موقفا انعزاليا لا يتماشى مع قيم الجمهورية الفرنسية.

وفي ظل هذه التطورات، تسعى الحكومة الفرنسية إلى إعادة هيكلة المشهد الإسلامي في البلاد، حيث يفرض وزير الداخلية برونو ريتايو نهجا أكثر صرامة على المؤسسات الدينية، في محاولة لفصل الإسلام الفرنسي عن أي تأثيرات أجنبية، مما يعني أن الجامع الكبير في باريس لم يعد يحتفظ بالمكانة التي كان يتمتع بها سابقا، ويجد نفسه في وضع حساس، حيث يتعين عليه التوفيق بين مطالب الحكومة الفرنسية بضرورة تحقيق استقلاليته، وضغوط الجزائر للحفاظ على نفوذها داخله.

إن التغيرات التي تشهدها فرنسا تشير إلى أن مستقبل المؤسسات الإسلامية في البلاد لن يكون كما كان في العقود الماضية، وأن مسجد باريس الكبير سيظل في قلب هذه التحولات التي تعيد رسم العلاقة بين الدولة الفرنسية والإسلام.