مصطفى الشنصيض
التواضع يكون بنكران الذات، وترك حب الظهور، والخروج من الأنانية، وليس كما يلهج به أصحاب “التنمية البشرية” Human Development.، و”إدارة الذات” Self-Management، من المدربين الذين لا يعلّمون إلا الفردانية، والتمحور حول الذات، إلى حد النرجسية، والتفاني في خدمتها، والإدمان على تغديتها، والمبالغة في إشباع رغباتها.
التواضع مكرُمة يتخلق بها العارفون بنفوسهم حقا، إذ يتذكرون أصل خلقتهم، وماء تكوينهم، وضعف هرَمِهم، وتعفّن مآلهم، وتذرّي ترابهم، وظلمة قبورهم، فلم يجدوا لأنفسهم فضلا على أحد، ولا ما يمنون به على أحد، لأن كل النعم من علم، ومال، وجاه، وحسب، ونسب، هي من عند الله، وليس لهم فيها نصيب.
لذا كان الجلوس مع الفقراء والأكل والشرب معهم والاستماع لهمومهم، والإنصات لمشاكلهم، وقضاء حوائجهم، وإفراح ذرياتهم من أعظم القربات وأحبها إلى الله.
– وقد تعلّمنا من سيرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن لا نسعى إلى مدح ولا حمد ولا شكر، كما تعلمنا الاحتساب والإخلاص والعمل لوجه الله تعالى، فكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يجلس مع بلال بن رباح وسلمان الفارسي وصهيب بن سنان الرومي، متواضعا غير مفاخر بنسب ولا بمال ولا بنبوة؛ فكان يرى نفسه عبدا رسولا، وكان أغنى الناس بالله، وأفقر الناس إلى الله.
– فارفق بنفسك أيها الفاضل في هذا الزمان من إظهار الرفاهية الموهومة على مواقع التواصل الاجتماعي، من أكل وشرب ووجود في أماكن فاخرة، وبلدان زاخرة، والتفِت إلى واجباتك الدينية والدنيوية، واترك حياتك الخاصة لنفسك، واترك أخذ الصور وراء المصاديح (الميكروفونات)، ولا تطلب مكانةً أنت منها بعيد، واترك الادعاءات الفارغة، والإنجازات الكاذبة، والبطولات الخاوية، لاهثا وراء شهرة قليلة الثبات، لا تدوم إلا أسبوعين أو ثلاث، ثم يلتفت الناس إلى مهرِّج آخر يتسلّوْن به.
– قال أبو حفص: “من أحب أن يتواضع قلبه فليصحب الصالحين، وليلتزم بحرمتهم، فمن شدة تواضعهم في أنفسهم يقتدى بهم ولا يتكبر”(*).
_____________________________________
(*) السهروردي، عمر، شهاب الدين، عوارف المعارف، تحقيق أحمد عبد الرحيم السايح، توفيق علي وهبة، نشر مكتبة الثقافية الدينية، الطبعة الأولى، 2006م، 1/260.
#الله_يستر_العيب