التميز المغربي: العبّاسية أو أنا أجُود فأنا إذن موجود
حسن الرّحيبي
أبو العبّاس السّبتي أو سيدي بلعبّاس في عُرف العامّة. ثالث سبعة رجال مراكش وأشهرهم على الإطلاق: ونشأة العباسية عند التجار.
هو أبو العبّاس أحمد بن جعفر الخزرجي السبتي. وُلد بمدينة سبتة. وهو أكبر أولياء مراكش وأشهرهم إطلاقاً. وقد خصص له ابن الزيّات فصلاً كاملاً من كتابه “التشوّف إلى رجال التصَوف” الذي حققه أحمد التوفيق وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية ابن مراكش. ومريد الصّوفية. فقد كان ابن الزيات معاصراً له ويعرفه حقّ المعرفة. نظراً لأهميته الصّوفية وحركته الإنسانية غير المسبوقة. لكونه أنشأ أول جمعية لحماية ورعاية العُميان. وأجرى عليهم الجرايات. وظلّ يطوف على الأغنياء داعياً إياهم للمتاجرة مع الله. بالصّدقة وليس ببناء المساجد أو التعبد فيها. لذلك لم يكن يدخل المسجد في أوقات الصّلاَة إذا كان في مهمّة إنسانية. لأنه كان يعتبر العمل الاجتماعي أسبق من العبادة التي لا تهمّ سوى صَاحبها. وكان يقول لمرافقه “دعنا من هذا فالمحتاجون أسبق”. فكان يلحّ على كبار الأغنياء إخراج جزء من صَدقاتهم وزكواتهم لصَالح هذه الفئة من المجتمع التي لم يكن لها مورد سوى التسوّل في الدروب والشوارع. ولا زال إلى اليوم عميان مراكش يلجأون لضريحه وأخذ نصيبهم من “خبيزة سيدي بلعباس”. كما أن صُنّاع الشفنج يخصّصُون أول إسفنجة يهيّئونها بعد الفجر لأول قادم أو زبون يسمونها ب”العبّاسية”. أي هدية لسيدي بلعباس(كثيراً ما حصَلتُ عليها في سيدي بنور وآسفي لما كنت تلميذاً أستيقظ باكراً للمراجعة) .
يُنسب أبو العبّاس السّبتي لأسرة أمازيغية فقيرة. إذ عاش يتيماً منذ بداية حياته حين توفي أبوه وتركه صغيراً. فأرسلته أمه لحائك أو نسّاج كمتعلم un apprenti ومساعد له مقابل بعض القروش يمنحها لها. مما جعلها تفضل تعلم حرفة على الدراسة في الكتّاب. لكنه كان يفرّ عند الشيخ أبو عبد الله الفخّار فتعاقبه أشد العقاب. إلى أن اضطر الشيخ للتدخل ووعدها بمنحها مقابل تركه في المسجد مقدار ما كانت تحصُل عليه من الحائك. ولما بلغ الـ16 من عمره فكّر في الرحيل للاستزادة من المعرفة والعلم هو الذي كان نابغاً في الحفظ والفقه والحسَاب وعلوم الريَاضيات فيختار مدينة مراكش باعتبارها عاصمةً للدولة وقد اجتمع فيها الفلاسفة والفقهاء وكبار أولياء الزهاد والصّوفية. فصَادف سفره إليها مقتل آخر ملوك المرابطين تاشفين بن علي سنة 1144 ميلادية. وهي نفس السنة التي قُتل فيها القاضي عيّاض الوافد أيضاً من سبتة. بسبب رفضه الإقرار بولاية وعصمة الدجّال المشعوذ المهدي بن تومرت داعية الموَحدين. ولما ألفى مراكش محاصرةً وقد أبيد فيها كل أتباع المرابطين وفقهاء السنّة. لجأ لجبل ݣيليز guéliz المشهور بخلواته وانقطاع الزهاد فيه للعبادة والتصوف منذ القديم. فمكث فيه صحبة خادمه مسعود الحاج مدة 40 سنة. وتقول الأسطورة إن الله فجّر عيناً من الجبل ظل يتعبد حولها. ليهبط إلى المدينة في عهد المنصُور الموحدي وقد عرفت ازدهاراً اقتصَادياً ومعرفياً كبيراً بالتحاق ابن طفيل وابن رشد شارح أرسطو وغيرهما من الأطباء والمفكرين. إذ رغم عقلانية المنصُور وتقريبه للعلماء والفلاسفة فقد ظل يخفي تشيعه وإيمانه بالعصمة والولاية وعودة المهدي المنتظر فمنحه مدرسةً ومسكناً حبّسهما له. ليعلّم فيها أصُول الفقه السني والتصَوف
وقد اشتهر عنه الوقوف يومياً على قبر ابن رشد لما مات سنة 1198 ميلادية. منادياً إياه بترك القبر لصَاحبه لأنه ليس له. ليُنقل جثمانه بعد عامين إلى مدينة قرطبة الأندلسية مسقط رأسه. ويُدفن فيه ابنه أي ابن أبي العباس السّبتي!
وكذلك جماله وحسن هندامه وملابسه الراقية المتميزة فكانت تعجب النسَاء بوسَامته، ولحيته المشذبة بعناية فائقة، وتفتن بشخصيته الفذة الراقية والعفوية، خاصّةً لما كان يرسله الموحدون لمدينة تيط لمشاورة الأمغاريين أحفاد مولاي عبد الله أمغار في أمور السّياسة والدّين. هَكذا اعتقد العامة.
التعليقات