11 ديسمبر 2019 / 12:10

التفسير الخرافي لحرارة الصيف وبرد الشتاء

محمد ابن الأزرق الأنجري

محمد ابن الأزرق الأنجري
يعتقد الجزء الأعظم من المحافظين على التراث السني أن حرارة الصيف وبرودة الشتاء من آثار تنفّس جهنم التي كادت تنفجر من الداخل ، فسألت الله تعالى أن يخفّف عنها ، فأذن لها بتنفسين اثنين سنويا لا ثالث لهما ، في الصيف والشتاء .
يرجع هذا الاعتقاد لحديث مكذوب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إذ لا ينطق نبي الله بما يخالف نواميس الكون ، ولا يفسر الظواهر الطبيعية تفسيرا خرافيا كما هو مقرّر في علم الكلام والدرس الحديثي على حدّ سواء.

نص الحديث / الخرافة:
روى الشيخان من طرق عدة عن جماعة من التابعين الموثوقين تلامذة أبي هريرة كسعيد بن المسيب وأبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : اشْتَكَتِ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا، فَقَالَتْ: يَا رَبِّ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا، فَأَذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ، نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ، فَهُوَ أَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الحَرِّ، وَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الزَّمْهَرِيرِ ”
في رواية عند مسلم : ” قَالَتِ النَّارُ: رَبِّ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا، فَأْذَنْ لِي أَتَنَفَّسْ، فَأْذِنْ لَهَا بِنَفَسَيْنِ، نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ، وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ، فَمَا وَجَدْتُمْ مِنْ بَرْدٍ، أَوْ زَمْهَرِيرٍ فَمِنْ نَفَسِ جَهَنَّمَ، وَمَا وَجَدْتُمْ مِنْ حَرٍّ، أَوْ حَرُورٍ فَمِنْ نَفَسِ جَهَنَّمَ ”
صحيح البخاري ح 537 و ح 3260 وصحيح مسلم ح (617) .
والحديث مخرج في موطأ مالك ، ومصنف ابن أبي شيبة ، ومسند أحمد ، وسنن الترمذي وسنن ابن ماجه .
قال الترمذي : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، قَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ. هـ
فالآفة من أبي هريرة لا غيره لأنه المنفرد به ، ومحال أن يخطئ عليه جماعة من ثقات التابعين .
وما جاء في مطبوع ” التمهيد ” (5/8) لابن عبد البر : وَفِي رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ زِيَادَةٌ فِي هَذَا الْحَدِيثِ ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ ( فَمَا تَرَوْنَ مِنْ شِدَّةِ الْبَرْدِ فَذَلِكَ مِنْ زَمْهَرِيرِهَا وَمَا تَرَوْنَ مِنْ شِدَّةِ الْحَرِّ فَهُوَ مِنْ سَمُومِهَا )
إما خطأ من النساخ فينظر المخطوط ، أو اختلاط وتوهم من المؤلف ابن عبد البر ، إذ لم يرو هذا الحديث أي صحابي آخر .

استسلام المتقدمين والمعاصرين للخرافة:
حكى النووي في شرح مسلم ثم ابن حجر في فتح الباري أن الحديث على ظاهره عند جمهور أهل السنة ، حيث رفضوا حمله على المجاز والاستعارة لأن ألفاظه تمنع ذلك .
وقال ابن حجر : وَالْمُرَادُ بِالزَّمْهَرِيرِ شِدَّةُ الْبَرْدِ وَاسْتُشْكِلَ وُجُودُهُ فِي النَّارِ وَلَا إِشْكَالَ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّارِ مَحَلُّهَا وَفِيهَا طَبَقَةٌ زَمْهَرِيرِيَّةٌ وَفِي الْحَدِيثِ رَدٌّ عَلَى مَنْ زَعَمَ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ النَّارَ لَا تُخْلَقُ إِلَّا يَوْمَ الْقِيَامَةِ هـ
وجاء في مقال على ” موقع الإسلام سؤال وجواب ” : قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :فإن قال قائل : هذا مشكل حسَب الواقع ؛ لأن من المعروف أن سبب البرودة في الشتاء هو : بُعد الشمس عن مُسامتة الرؤوس , وأنها تتجه إلى الأرض على جانب ، بخلاف الحر ، فيقال : هذا سبب حسِّي ، لكن هناك سبب وراء ذلك , وهو السبب الشرعي الذي لا يُدرك إلا بالوحي , ولا مناقضة أن يكون الحرُّ الشديد الذي سببه أن الشمس تكون على الرؤوس أيضا يُؤذن للنار أن تتنفس فيزدادُ حرُّ الشمس , وكذلك بالنسبة للبرد : الشمس تميل إلى الجنوب , ويكون الجوُّ بارداً بسبب بُعدها عن مُسامتة الرؤوس , ولا مانع من أنّ الله تعالى يأذن للنار بأن يَخرج منها شيءٌ من الزمهرير ليبرِّد الجو ، فيجتمع في هذا : السبب الشرعي المُدرَك بالوحي , والسبب الحسِّي ، المُدرَك بالحسِّ .هـ

وبذلك يُضحكون العقلاء علينا ، ويشوهون الإسلام ، ويدفعون الشباب للإلحاد …
يعرف الطفل اليوم أن البرودة نتيجة بعد الشمس عن الأرض في فصل الشتاء ، أو غيابها تماما عن بعض جهات العالم كما هو الحال في القطبين الشمالي والجنوبي .
ويدركون أن اقتراب الأرض من الشمس أثناء دورانها حولها هو سبب ارتفاع درجة الحرارة صيفا .
ولا يعرف العلم أن هناك مخلوقا آخر اسمه جهنم أو غير ذلك ينتج حرارة الصيف أو برد الشتاء .
نعم ، هناك شموس غير شمسنا بعيدة عن مجرتنا أو مجموعتنا لها تأثيرات على الكواكب أو المخلوقات الفضائية القريبة منها .
قد تكون خرافة أبي هريرة صحيحة لو كانت جهنم اسما من أسماء الشمس ، لكن ذلك لا يستقيم ، وقد ادعاه بعض المخرّفين الذين قدسوا الصحيحين مع احترامهم للعلم والحس ، فحاولوا التلفيق ، متناسين أن الشمس ليست واحدة ، إذ هناك شموس بالملايير تسبح في الفلك .
فهل هناك جهنم واحدة يدخلها المجرمون يوم القيامة ؟ أم هناك الملايير من جهنم نظرا لوجود الملايير من الشموس / النجوم ؟
وهل من المعقول دينيا أن تكون الشمس هي جهنم الآخرة دون أن يجعلهما القرآن الكريم شيئا واحدا ، والواقع فيه أنه يميِّز بين الشمس والقمر وجهنم ؟
وإذا كانت الشمس هي نار الآخرة ، فهل القمر أو أحد الكواكب هو الجنة التي عرضها السموات والأرض ؟

إن الحديث الخرافة ينص على أن جهنم تتنفس مرتين في العام ، حرارة الصيف وزمهرير الشتاء ، لكن البشرية تعرف أن الزمهرير لا ينقطع في القطبين الشمالي والجنوبي .
وعلى هذا ، فتنفس جهنم زمهريرا ليس موسميا هناك ، بل هو تنفس دائم متواصل في القطبين .
ثم إن بعض البلاد تعرف حرارة مرتفعة شهورا مديدة ، بينما لا ترتفع في بعض البلاد إلا نادرا .
فهل التنفس الجهنمي قوي متعمد في البلاد الحارة ؟ ضعيف رحيم بالبلاد الباردة أو المعتدلة ؟
وهب أن الحرارة والزمهرير من جهنم .
على هذا الأساس ، فكل الأنبياء والصالحين فضلا عن البشرية كافة ، ذاقوا عذاب جهنم في الدنيا قبل الآخرة ، إذ لم يسلم أي بشر من حرارة مرتفعة أو برد شديد !
فكيف يستقيم أن يكون أنبياء الله عرضة للسموم والزمهرير ؟
ما الذي فعلته البشرية حتى يسلط الله عليها جهنم بردا وحرارة طوال العام ؟
وما الذي جناه الأبرياء والعباد المخبتون ؟
لقد انفرد أبو هريرة بتلك الشكوى الجهنمية والاستجابة الإلهية لها بنفسَي الشتاء والصيف ، والآفة منه ، فإنه صاحب أساطير وخرافات ومناكير ، وما خرج من جزيرة العرب ، فكان حبيس المعرفة البدائية الموغلة في الخرافة والدجل .
والله أعلم بحاله هل تعمّد الكذب أم اختلط عليه كلام الناس بكلام رسول الله .
والله يغفر لنا وله .
ولسنا مضطرين لتكلُّف التأول له والتلفيق ، فغاية ما في الأمر أن روايته ظنية لا يقطع بثبوتها عن النبي ذو عقلية سوية.