منتصر حمادة
ما أكثر الملاحظات والخلاصات الأولية حول ما جرى مؤخرا هنا في المغرب، على هامش أزمة المشيخة لدى إحدى الطرق الصوفية، أو الزاوية التي أصبحت طريقة، وانتقلت بالتالي من مقام له مقتضياته، نحو مقام مغاير له مقتضيات مغايرة، بصرف النظر عن القواسم المشتركة بين المقامين، وهذه جزئية دقيقة، أزعم أن استحضارها تساعد المتتبع في قراءة الفوارق بين أداء الزوايا وأداء الطرق الصوفية، محليا أو إقليميا أو في العالم الإسلامي، دون الحديث عن فوارق أخرى مركبة.
1 ــ نبدأ ببعض الملاحظات على تفاعل أهل الشأن نفسه، أي أتباع الزاوية الصوفية المعنية، حيث إلى غاية وقت قريب، قبل رحيل الشيخ جمال الدين القادري، كان خطاب الأتباع موحدا بخصوص التعامل مع قضايا الداخل، مادامت المشيخة مجسدة في الشيخ الراحل، لكن اختلف الأمر كليا مباشرة بعد اندلاع الأزمة، ومن أولى نتائج ذلك، ظهور انقسام بين المريدين، بين تيار ينتصر للمرشح الأول مقابل تيار ينتصر للمرشح الثاني.
هذا الانقسام التنظيمي، كان مناسبة لاختبار ما يُميز العمل الصوفي في مثل هذه المناسبات، مقارنة مع ما يُميز باقي المرجعيات الدينية، من قبيل المرجعيات الإسلامية الحركية، فالأحرى تميزه عن السائد لدى المرجعيات السياسية/ الحزبية التي لا علاقة لها بما يُصطلح عليه “المرجعية الإسلامية”.
ما تحقق عمليا، أن نسبة من المريدين بقيت وفية لهذا التميز، بالرغم من حساسية الملف وتفاعلات الأزمة، لكن نسبة أخرى تفاعلت كما تتفاعل باقي المرجعيات السياسية، وهي موزعة على فئتين على الأقل:
أ ــ الأولى، وبالرغم من كونها تنهل فعلا من المرجعية الصوفية، كشفت عن خطاب مغاير لتلك المرجعية، وهذا معطى يكشف حدود أثر تلك التربية على الفئة المعنية، دون تعميم، لأن الأمر يقتضي التدقيق في كل حالة، لكن عاينا مثل هذه الممارسات عند العديد من الحالات.
ب ــ الثاني قادمة من مرجعية إسلامية مغايرة. لنقل إننا إزاء فئة معينة من أهل هذه الممارسات، قاسمها المشترك أنها قادمة من تيارات إيديولوجية دينية (سلفية وهابية، إخوان.. إلخ)، لكنها أخذت مسافة تنظيمية من تلك التيارات، دون التحرر الكلي من التأثير الإيديولوجي الذي كانت تنهل منه سابقا، وهذا يغذي فرضية اشتغلنا عليها من قبل في بعض المقالات، مفادها أن التحرر أو الانفصال عن تنظيم إيديولوجي ما، بصرف النظر عن مرجعيته، لا يفيد بالضرورة التحرر من تأثير النهل الإيديولوجي، وإن كانت تلك المقالات قد همّت بالدرجة الأولى الإيديولوجيات الدينية.
2 ــ نأتي للملاحظات التي تهم الفاعلين من خارج الحقل الصوفي، ومنها مثلا، أن العديد من التفاعلات صدرت عن أسماء لم يسبق لها أن أدلت بآراء سابقة حول التصوف، فالأحرى أن نشرت مقالة عن التصوف، وأخص بالذكر هنا مجموعة من الأسماء البحثية، لكن، بين ليلة وضحاها، أصبحت تنشر آراء حول الموضوع، ينتصر أغلبها لنفس نقدي صريح، إن لم يصل إلى التهكم والسخرية والتنمر، ولا يمكن الحديث هنا أيضا عن اتجاه واحد، لأنه موزع بدوره على عدة اتجاهات:
أ ــ منها مثلا أسماء لا علاقة لها قط بمرجعيات إيديولوجية، مادية أو دينية، لكن “واجب الوقت”، تطلب الانخراط في الحملة النقدية، خاصة مع ظهور أخبار في عدة مواقع، تصب في نزع طابع الوقار الذي كان يُميز تعامل الرأي العام إجمالا مع أهل التصوف.
ب ــ نستثني حالة الإسلاميين، الذين لديهم موقف نقدي صريح من العمل الصوفي، سواء تعلق الأمر بالتيار السلفي الوهابي، الذي لديه مواقف نقدية ذات هواجس عقدية، أو التيار الإخواني الذي لديه مواقف نقدية ذات هواجس سياسية، وسبق أن اشتغلنا على هذه الجزئية أيضا، في مقالة متوفرة على شبكة الإنترنت، تحت عنوان “المتدين الصوفي لا يُفجر نفسه”.
ج ــ لكنها منها على الخصوص، مواقف أسماء تزعم أنها مرت من تجربة إسلامية حركية، أو تطبق الصمت عن تلك التجربة، لكن تفاعلها النقدي في هذا الاتجاه، كشف عن مواقفها الحقيقية، وجعلها تنخرط في خطاب يكاد يُصنف في خانة تصفية الحسابات، تأثرا بذلك النهل الديني، في شقه الإيديولوجي، حتى لو زعمت أنها تتحدث بموضوعية ومنطق وتعقل، والأمر يهم حتى أسماء بحثية وجامعية وأكاديمية.
3 ــ كما كان متوقعا، انخرطت عدة منابر إعلامية في المواكبة، لكن مع فوارق كبيرة. على سبيل المثال، هناك مواقع إلكترونية أخذت مسافة من الموضوع في سياق التعامل، وبالتالي نشرت مواكبة إعلامية، دون التحيز لهذا الطرف أو غيره، بخلاف منابر أخرى كانت صريحة في التحيز أو الانتصار لطرف على آخر. وهناك المنابر الإعلامية التي انتصرت لما يُشبه الشعبوية والإثارة. [منها منبر يساري المرجعية، وحديث التأسيس للمفارقة، وانخرط كليا في المواكبة: من يُصدق أن تردي اليسار في المغرب، وصل به الأمر إلى المزايدة الشعبوية على العمل الصوفي].
4 ــ نجد أيضا أحد أهم نقاط الضوء في هذه التفاعلات، ونتوقف عند تيارين اثنين على الأقل:
أ ــ الأول، عُرف عنه نشر العديد من القراءات النقدية الهادفة والرصينة حول العمل الصوفي، وهذا موثق في ما صدر له من أعمال، ومع ذلك بقي بعيدا عن الخوض في هذه الحملة، ولا ضير، لأنه كان سباقا إلى إثارة عدة ملاحظات أو مؤاخذات، وإن فعلها من داخل المرجعية الصوفية، وهنا يكمن تميز هذا التيار.
ب ــ الثاني، انخرط في نشر مقالات نقدية رصينة ومركبة تهم العمل الصوفي بشكل عام، دون شخصنة أو اختزال العمل نفسه في ما جرى مع أزمة المشيخة. لنقل إنه تطرق نقديا للموضوع عبر “عين الماكرو”، وأخذ مسافة من قراءات “عين الميكرو”، التي ميّزت إجمالا ما جاء في التفاعلات أعلاه.
كانت هذه ملاحظات أولية حول تفاعلات الساحة مع أزمة المشيخة لدى الزاوية/ الطريقة الصوفية المعنية، دون زعم الإلمام بمجمل التفاعلات، لكن حسبنا هنا إثارة الانتباه للموضوع، وتحرير هذه المقالة، بما لها وما عليها.