كريمة العزيز
يبقى الإنسان في مختلف المجتمعات هو المحور الأساسي، إذ يُعتبر المواطن الصالح أساس بناء منظومة قوية ومتزنة، غير أن الواقع الحالي يكشف اتساع الفجوة بين ما يُفترض أن يتحلى به الفرد من التزام ومسؤولية، وبين ما تظهره بعض السلوكيات من اختلال داخلي في منظومة القيم أو ضعف القدرة على تحمّل الواجبات.
هذا يثير تساؤلات عميقة حول الأسباب الكامنة وراء هذا الخلل، هل هو مرتبط بالبنية النفسية للفرد، أو بعدم الثقة بالنفس وتأثيرها في تشكيل السلوك الأخلاقي؟ أم أنه نتيجة تربية لم تنجح في ترسيخ القيم منذ الصغر، أو ربما يعود إلى ضغوط اجتماعية وتصوّرات مشوّهة عن النجاح والمكانة والسلطة؟ المسؤولية في جوهرها لا تُختزل في وظيفة أو مهمة فقط، بل هي تفاعل الوعي مع الضمير، وإدراك ما ينبغي فعله والاستعداد لتحمّل تبعاته.
كلما كان الإنسان أكثر توازنًا داخليًا وانسجامًا بين فكره وسلوكه، كان أقدر على أداء مهامه بأمانة وصدق. وتشير الدراسات في علم النفس السلوكي والتربوي إلى أن الصحة النفسية، والشعور بالكفاءة الذاتية، والثقة بالنفس تُعد من العوامل الحاسمة التي تحدد مدى التزام الفرد بقيمه وقدرته على اتخاذ قرارات أخلاقية في مواقف معقدة.
إن غياب التقدير الذاتي أو المعاناة من اضطرابات داخلية غير معالجة قد يدفع الإنسان نحو تعويضات خارجية تُربك بوصلته الأخلاقية. لذلك، تبرز أهمية التربية الشاملة التي تتجاوز حدود المعرفة لتشمل بناء الإنسان في كليته، من وجدانه ووعيه وقدرته على التفاعل مع نفسه ومجتمعه بسلام ومسؤولية. تربية تعلم معنى الصدق لا في القول فقط، بل في الانتماء، وتغرس مفهوم المواطنة لا من زاوية الحقوق فقط، بل من منطلق الالتزام بالقيم المشتركة، لأن صناعة الإنسان المتوازن لا تتحقق عبر برامج سطحية أو شهادات معلقة على الجدران، بل هي ثمرة مسار متكامل من التأطير والتوجيه والقدوة.
الإنسان القادر على تحقيق الانسجام بين ذاته ومجتمعه، وبين رغباته وواجباته، هو وحده من يمكننا الرهان عليه لبناء المستقبل.