التربية الجنسية في مجتمعاتنا: أزمة صمت أم سوء فهم؟

دينبريس
آراء ومواقف
دينبريس21 فبراير 2025آخر تحديث : الجمعة 21 فبراير 2025 - 11:18 صباحًا
التربية الجنسية في مجتمعاتنا: أزمة صمت أم سوء فهم؟

كريمة العزيز
هل يمكننا تجاهل حقيقة أن غياب التربية الجنسية يترك الشباب في حالة من الحيرة والارتباك؟ تشير تقارير منظمة الأمم المتحدة للسكان (UNFPA) إلى أن المجتمعات التي تفتقر إلى برامج التوعية الجنسية تشهد معدلات أعلى من الزواج القسري، والتحرش، والعنف القائم على النوع الاجتماعي، كما أن غياب المعلومات الصحيحة يؤدي إلى انتشار الأساطير والمفاهيم الخاطئة حول الصحة الجنسية، مما يزيد من المخاطر الصحية والاجتماعية.

كيف يمكن للمراهقين والشباب من كلا الجنسين ضبط أنفسهم بين الفطرة التي خلقهم الله عليها، والغريزة التي تتفجر بداخلهم، والمنع المفروض عليهم بدافع الحلال والحرام؟ هل الكبت هو الحل؟ أم أن الزواج المبكر هو المخرج الوحيد؟ وهل يمكن أن يحتوي الدين على توجيه علمي متكامل لإنقاذ الشباب من حيرتهم؟ أم أنه مجرد سلسلة من المحظورات والممنوعات؟

هذه التساؤلات ليست ترفًا فكريًا، بل هي جزء من الصراع النفسي الذي يعيشه المراهقون والشباب في بيئاتنا الإسلامية المعاصرة. فكيف يمكنهم تجاوز هذه التحديات الجسدية والعاطفية بنجاح دون تربية حقيقية وتوجيه سليم؟
خلق الله الإنسان بطبائع وغرائز فطرية، ومن ضمنها الرغبة الجنسية، وهي غريزة طبيعية لا يمكن تجاهلها أو إخفاؤها.

لكن الإشكالية تكمن في كيفية التعامل معها بشكل سليم. في الوقت الذي يُطلب فيه من الشباب الكبت الشديد والتجاهل أو التستر عن هذه الغرائز، نجد أن بعض الخطابات الاجتماعية تتبنى التحرر المفرط، مما يؤدي إلى الانفلات الأخلاقي وعدم ضبط النفس. فهل الحل يكمن في أحد هذين الخيارين المتناقضين: الكبت القاسي أو الانفلات الكامل؟ أم أن هناك نهجًا ثالثًا أكثر توازنًا يمكن أن يُعتمد عليه؟

وفقًا لمنظمة الصحة العالمية (WHO)، فإن التربية الجنسية المتوازنة لا تشجع على السلوكيات الجنسية المبكرة، بل تساهم في تأخيرها، كما تساعد الشباب على اتخاذ قرارات مسؤولة فيما يتعلق بصحتهم الإنجابية. وتوصي المنظمة بضرورة إدراج التربية الجنسية كجزء أساسي من المناهج التعليمية للحد من المخاطر الصحية والنفسية المرتبطة بالجهل في هذا المجال.

في العديد من البيئات السلفية، يُعرض الزواج المبكر كحل سريع للمراهقين والشباب الذين يعانون من غريزتهم الجنسية.

لكن هل هذا الحل عقلاني؟ هل الزواج مجرد وسيلة لإشباع الرغبة أم أنه مؤسسة تتطلب نضجًا عاطفيًا ونفسيًا واجتماعيًا؟ يقول الله تعالى: “وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً” (الروم: 21). الزواج في الإسلام ليس مجرد ممارسة جسدية، بل هو علاقة قائمة على المودة والرحمة، وهي علاقة لا يمكن لأي شخص أن يتحمل مسؤولياتها إذا كان لا يزال في مرحلة من البحث عن ذاته.

إن الزواج المبكر، حين يكون مجرد استجابة لضغط ديني أو اجتماعي، ينتهي غالبًا بالفشل.

لا يمكن للمراهقين والشباب في مرحلة مبكرة من حياتهم أن يتحملوا مسؤولية أسرة وأطفال إذا كانوا لا يفهمون ذواتهم بعد. الحل لا يكمن في الهروب إلى الزواج، بل في التفكير العميق والناضج حول مفهوم العلاقة الزوجية وأهدافها. إن الخطاب الديني الذي يركز فقط على التحليل والتحريم دون تعليم كيفية التعامل مع الغرائز بشكل سليم يعد خطابًا ناقصًا. القرآن الكريم لم يتهرب من الحديث عن موضوعات الجنس والغريزة، بل تناولها بحكمة ووضوح، كما في قوله تعالى: “وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّىٰ يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ” (النور: 33).

الاستعفاف هنا ليس كبتًا بالمعنى المفهوم، بل هو تعليم لكيفية ضبط النفس. فكيف يمكننا فهم هذه الآية في إطار مجتمعاتنا المعاصرة للتخفيف من معاناة مراهقينا وشبابنا؟

المشكلة ليست في الإسلام، بل في كيفية فهمنا وتقديمنا لهذا الدين. الإسلام ليس دين كبت أو قمع، بل دين توازن، لكنه بحاجة إلى خطاب جديد يواكب المتغيرات الاجتماعية والعلمية الحالية. يجب أن يعزز هذا الخطاب فهم المراهقين والشباب لذواتهم وأجسادهم واحتياجاتهم بطريقة علمية متوازنة بدلاً من التركيز على المنع والتحريم أو فرض الزواج المبكر عليهم. ينبغي أن نعلمهم كيفية إدارة رغباتهم بعقلانية ووعي، وأن نجيب على أسئلتهم، ونناقشهم في بيئة آمنة وصحية.

إن حلول الكبت والزواج المبكر لا يمكن أن تظل هي الحلول الوحيدة أمام شبابنا. الدين الإسلامي يعترف بإنسانيتهم، ويرشدهم إلى التوازن بين فطرتهم ومتطلبات حياتهم.

إذا أردنا حماية المراهقين والشباب، فعلينا إدراج التربية الجنسية في مناهجنا التربوية كجزء أساسي حتى يتمكنوا من اكتساب وعي صحيح بأجسادهم ونموها وتطورها وتغيراتها، والعلاقات والأخلاق المرتبطة بها.
فهل يمكن أن نجد حلولًا أكثر توازنًا بين الدين وتحديات الشباب النفسية والعاطفية؟
ــــــــــــــــــــ
صفحة الكاتبة على فيسبوك

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.