الصادق العثماني- باحث في الفكر الإسلامي وقضايا التطرف الديني
الكثير من المسلمين في دول إسلامية مختلفة يجهلون المدرسة المالكية، كما يجهلون النموذج المغربي في التدين والذي اعتمد على النص الديني فهما ودراية واستنباطا وتنزيلا، بناء على قواعد اللغة ومقاصد الشريعة الإسلامية وفقه الواقع..
هذا النموذج عصم المغرب من الفتن والتكفير والإرهاب والحروب الطائفية والمذهبية البغيضة؛ لكونه مبني على الوسطية والاعتدال؛ بالإضافة إلى تعاطيه مع النصوص الدينية بعقلانية وبعلم الرواية والدراية معا، الذي يركز هذا الأخير على فهم النص الديني فهما صحيحا.. مع العلم ان المدرسة المغربية في التدين هي في الحقيقة ليست وليدة اليوم، بل تشكلت من إسهامات فقهية حضارية امتدت على مدار 1200 سنة من الإشعاع والعطاء الديني والفكري والثقافي والإنساني.
هذه التراكمات من المعارف والعلوم والثقافات المتباينة والاجتهادات الفقهية المختلفة في المملكة المغربية الشريفة واعتمادها على مدرسة مالك رحمه الله تعالى، التي تفرق بين النص الشرعي، من آية أو حديث، وبين فهم الفقيه لهذا النص من آية أو حديث، جعلت من التدين المغربي رزانة ومرونة وميزة يتميز بها عن باقي دول العالم الإسلامي، وخصوصا فيما يرتبط بفهم النص الديني الأصلي عند علماء المغرب؛ بحيث بعض المسلمين يجعلون من فهم علمائهم للنص الديني قدسيةً تقترب من قدسية النص، ويعدّون من خالف فهمهم مخالفاً للنص!
ولا يخفى ما في هذا الأمر من البعد عن الحق ّوالصواب؛ ولهذا السبب ضلّل أقوامٌ أقواماً، وفسقّ أناسٌ أناساً، وربما تجاوزوا ذلك، حتى إن عالماً كبيراً من علماء المدينة المنورة هو ابن أبي ذئب، معاصراً للإمام العظيم مالك بن أنس رحمه الله، حكم على الإمام مالك بأن يُستتاب وإلا يُقتل!! لأنه فهم من حديث “البيّعان بالخيار” فهماً عدّه ابن أبي ذئب رحمه الله ردّاً للحديث مع ثبوته عنده!!.
مع العلم أن أكثر نصوص القرآن والسنة تحتمل أكثر من وجهٍ واحدٍ من وجوه التأويل؛ أي: هي (ظنّية الدّلالة)، والبشر متفاوتون في عقولهم، وعلومهم، وقوة فهمهم واستنباطهم، لذلك كان الاختلاف بينهم في فهم تلك النصوص أمراً طبيعياً اقتضته حكمة الله تعالى، وفي هذا السياق روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم لما رجع من الأحزاب قال:” لا يصليّن أحدٌ العصر إلا في بني قريظة”، فأدرك بعضهُم العصرَ في الطريق، فقال بعضهم: لا نصلي حتى نأتَيها، وقال بعضهم: بل نصلّي، لم يُرَد ذلك منّا. فَذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فلم يُعنّف أحداً منهم؛ لأنه صلى الله عليه وسلم، يعلم أنّ الأفهام مختلفة، مع أن الذين صلَّوا في الطريق خالفوا (ظاهر) الأمر النبوي المؤكَّد!!.
المصدر : https://dinpresse.net/?p=19390