حسن الشرقاوي
معلوم أن أهمية خطة تسديد التبليغ لاتكمن في مجرد إعادة صياغة الأفكار الدينية بشكل جديد وفي حلة جديدة تراعي متطلبات العصر، بل الرهان الحقيقي يكمن في تأثير هذه الأفكار، وواقعياً إحداث التغيير المنشود في حياة الفرد، الجماعة، والدولة بشكل عام.
ولتحقيق ذلك، يلزم وجود مؤشرات موضوعية لقياس مدى التغيير على الأرض، وهذا هو جوهر خطة تسديد التبليغ. أما الاعتماد على الخطاب فقط، سواء بإعادة قراءته سلباً أو إيجاباً والاكتفاء بإحصاء تدخلات أصحابه وأنواعها، فلن يجدي نفعاً، بل سيؤدي إلى تكرار نفس الإشكال القديم في الخطاب الديني، حيث يبقى الخطاب منفصلاً عن واقع المسلمين وحياتهم الفعلية.
قد يُقال إن التغيير المنشود يحتاج إلى وقت، ويتطلب في أساسه وعي الفاعلين بمضامين الخطة، خصوصاً أن نسبة كبيرة من المعنيين بالخطة خارج السياق، فضلاً عن وجود فاعلين غير مقتنعين بها لأسباب متعددة، ومنها فاعلون ينتمون إلى المرجعية الإسلامية الحركية.
لكن هذا هو الرهان الحقيقي والبوصلة التي ينبغي التركيز عليها بشكل جماعي، كيف يمكن تحقيق التغيير بأقل تكلفة على مستوى الوقت والجهد، وهل ينبغي الانتظار حتى يعم الوعي بالخطة بينما الواقع يتغير بسرعة خيالية تفوق سرعة الصوت؟
فتطبيقات الذكاء الاصطناعي أصبحت متقدمة جداً، متجاوزة الخطط الحالية بأشواط، وأصبح الناس يستخدمون تطبيقات مثل ChatGPT بشكل ملحوظ، وهم يشاركونها معلوماتهم الخاصة أكثر مما يفعلون مع أقربائهم، هذا دونرقيب ديني أو سلطوي.
وستصبح قريبًا الموجه الرئيسي للناس في أمور الدين والدنيا. كمثال على ذلك، سألتني قريبة مؤخراً عن مسألة شرعية تتعلق بالوضوء، فأجبتها بما أعرف، ولكنني في نفس الوقت استخدمت أحد تطبيقات الذكاء الاصطناعي المجانية وسألته نفس السؤال، فحصلت على جواب دقيق في أقل من خمس ثوان وفق المشهور من المذهب المالكي، إضافة إلى آراء المذاهب الأخرى مدعومة بآيات قرآنية وأحاديث صحيحة، وأنهى الرد بعبارة “والله أعلم” كما كانت تُختتم بها كتابات العلماء.
إن الثورة الرقمية تفرض تحديات كبيرة في المجالات السياسية، الأمنية، الاقتصادية، والثقافية، لكنها بلا شك تشكل واقعاً لا يمكن تجاهله؛ فكل ما نفكر فيه اليوم، سواء أفراداً أو جماعات، يُجمع في خوادم ضخمة خاصة في أمريكا، ثم يُعاد تدويره واستثماره، وربما تباع لنا “فضلاته” لنا مجدداً.
هذا الواقع يحتم ضرورة تطوير آليات تسديد التبليغ بفعالية عالية ومتجددة تواكب سرعة التغيرات الرقمية والمجتمعية، مع التركيز على نتائج ملموسة ومؤشرات موضوعية تقيس أثر الخطاب في الحياة اليومية.
وأول خطوة ينبغي القيام بها هو الجلوس مع خبراء من المندوبية السامية للتخطيط ووزارة التحول الرقمي ولما لا الاستعانة ببعض المؤسسات الأخرى لإعداد مؤشرات تساعد على المتابعة وقراء التغيرات المنشودة كي يتم تثمين المجهود واستشراف المستقبل
كما ينبغي أن يصدر تقرير سنوي لمتابعة هذه المؤشرات وقياس مدى تحقق أهداف خطة تسديد التبليغ، مما يضمن تقييم التقدم وتوجيه الجهود بشكل دائم لتحسين الأداء وبلوغ النتائج المرجوة.