البيدوفيليا المحصنة

محمد علي لعموري
آراء ومواقف
محمد علي لعموري12 فبراير 2020آخر تحديث : الأربعاء 12 فبراير 2020 - 12:22 مساءً
البيدوفيليا المحصنة

محمد علي لعموري
ينتابني شعور بالإحباط وأنا أكتب هذا المقال ، هو شعور بعدم جدوى الكتابة في الموضوع أصلا ، فمن من شخص سيقرأ المقال ، كم عدد القراء ببلادنا ، وهل نحن أمة تقرأ؟!

لا أكتب اللحظة عن القراءة وإنما أكتب عن الإغتصاب ، نعم الإغتصاب ، وأي اغتصاب ؟ إغتصاب مغربية قاصر. ومن المغتصب؟ شاب راشد. وعن أي رجل نتحدث؟ عن رجل خليجي كويتي.

حدث هذا ببلادنا التي تقع أقصى غرب شمال إفريقيا ، المغرب الحبيب الذي يشهد له التاريخ بالإعتدال في الجو والحكم والتدين والتعايش بين الديانات ، والإستقلال بأسلوب الحكم وبنمط العيش عن الشرق العربي منذ أيام الخلافة العثمانية التي وصلت حدود الجارة الجزائر فتوقفت عن الدخول لهذا البلد العصي عن الترويض.

وحتى عندما دخل الإستعمار ترك بصمة الحداثة وترسانة من القوانين منها المحدث العصري ومنها ما نافق الموروث الإسلامي الراسخ في الوجدان فأبقى على امتداد الأحكام الفقهية بل شرعن تجريم بعض السلوكات التي تدخل ضمن المحرمات في الدين الإسلامي ( مثل تجريم المثلية الذي وضعه المشرع الكولونيالي )..

لكن نظام الحكم التقليداني الذي زاوج بين الحديث والمعاصر بعد حصول المغرب على استقلاله ، كان دوما يتمايز عن المشرق بشموخ وإباء في صنع نموذجه المغربي بمداد من الفخر بعيدا عن تقلبات الأوضاع بالمشرق العربي دون التفريط في واجب مد جسور التعاون والتضامن العربيين مع إخواننا المشارقة.

كل هذه المرافعة التاريخية توخيت منها تعزيز ما أنا بصدد الحديث عنه في هذا المقال الحانق الغاضب ، ومن أراد التأكد من الشخصية المغربية الأصيلة والفريدة عليه بقراءة ذاكرة ملك للملك الراحل الحسن الثاني رحمه الله الذي كان فخورا بتميز الشخصية المغربية عن الشخصية المشرقية.

لماذا قلت كل ذلك وأعليت من مكانة الشخصية المغربية ؟

أولا : لأني مغربي حتى النخاع ، وأحب تاريخ بلدي ، وأعشق سماءه وأرضه وهواءه وشمسه وكتبانه وجباله الشامخة ، وأتمسك بالملكية التي تسهر على أمنه ووحدته ورخائه..وليس في هذا نفاق يراد به التملق إلى المؤسسة الملكية ، بل هو قناعة ترسخت منذ إعجابي اللامشروط بأسلوب حكم الحسن الثاني رحمه الله في الدفاع عن الهوية المغربية أمام الغرب والشرق.

ثانيا : لأن المغرب في عصرنا الحالي يواجه تحديات ورهانات وكذا إكراهات تجعل التضامن المغربي ضرورة ملحة مثلما فعل آباؤنا وأجدادنا في تصديهم للغاشم المستعمر بالأمس القريب.

ثالثا : لأن المغرب كان دوما محصنا بثقافته التي تمتح من تاريخ تليد يمتد لما قبل دخول الإسلام إليه ، ومن تاريخ التلاقح والتعايش بين الثقافات الأمازيغية ، العربية، الإسلامية اليهودية…

كل هذا الغنى والرأسمال الثقافي واللامادي للإنسان المغربي ، يتم تمريغ سمعته وقيمته في الوحل من طرف خليجيين مكبوثين يقصدون المغرب للإستجمام والإستمتاع بكل تلك المقومات التي تحدثت عنها قبلا ، وجو الحرية والتحفيزات السياحية والترفيه التي تمنح للسائح الأجنبي والعربي فرصة التعرف أكثر على بلد المغرب وكرم المغرب وسخاء المغرب.

لكن ! دعونا نطرح سؤالا كبيرا على أنفسنا وعلى المسؤولين المغاربة قبل أن نطرح سؤالا ثانيا على القضاء المغربي وعلى النيابة العامة.

نعم يمكن تفهم حجم تشابك مصالح الدولة المغربية مع دول الخليج الغنية ببترودولارها ، ويمكن تفهم الروابط الديبلوماسية والمصالح الإقتصادية التي تجعل علاقاتنا مع دول الخليج العربي جد حساسة وتوازن بميزان الذهب والماس ، لكن إلى أي حد يمكن أن تذهب تلك العلاقات بيننا وبينهم ؟ وهل لهذه العلاقات حدود وخطوط حمراء لا يجب تجاوزها ضد سمعة المغرب وكرامة الشعب المغربي ؟

نأتي لطرح السؤال الثاني على القضاء المغربي وعلى النيابة العامة ، وتفاعلا مع قضية الطفلة المغربية التي تعرضت للإغتصاب من طرف بيدوفيل كويتي ، لماذا تم إطلاق سراح هذا المجرم وتم بالتالي السماح له بالهرب من العدالة إلى بهذه البساطة ؟ ألهذا التسريح علاقة بنفوذ دولة الكويت وتغلغلها في مفاصل مصادر القرار الأمني المغربي ؟

هل هناك ما يشفع لهذا المجرم ألا يلقى عقابا يستحقه كأجنبي انتهك حرمة حسن الضيافة واعتدى على طفولتنا ومرغ كرامة المغاربة في الوحل حتى يتم تسريحه السراح المؤقت ؟!

وما مدى مصداقية التحقيق والنيابة العامة عندنا في نوازل مثل هذه يتم من خلالها اختبار مدى استقلالية النيابة العامة ومدى نزاهة القضاء عندنا؟ خاصة عندما يتعلق الأمر بجرائم لا هوادة في تقديم المتورط فيها إلى العدالة لتقول كلمتها فيه وتنزل به أشد العقوبات حماية للحق العام وصونا لكرامة المواطن المغربي وحماية أيضا لطفولتنا حتى لا تداس في المستقبل من أي كان ؟

أعتقد أن أسئلتي وإن كانت مزعجة فهي لا تجد آذانا صاغية وكأني أصب الماء في قراب مثقوبة !

ومع ذلك فالسؤال مشروع ، وحق الطفولة مصون ولا يمكن السكوت عن فعل كهذا وعلى تساهل مشين في تطبيق القانون والعدالة في مثل هذه الجرائم التي يندى لها جبين الإنسانية !

منذ سنوات كانت الألسن تلوك أخبارا تفيد كون أبناء الخليج حين يرتكبون جريمة قتل يتم ترحيلهم إلى بلدانهم دون عقاب ، وكنت أشكك في مدى صدقية الخبر ، حتى جاءت جريمة اغتصاب فتاة قاصر من طرف هذا الكويتي الذي قررت النيابة العامة تمتيعه بالسراح المؤقت مع مباشرة التحقيق واستكماله قبل البث في جريمته.

لكن ما وقع أنه غادر التراب المغربي تاركا ضحيته تواجه مصيرها بنفسها !!

طبعا لا يمكن الطعن في نزاهة القضاء حتى لو كان ينخره الفساد ، ولا عمل النيابة العامة حتى لو كانت الرشوة والمحسوبية ترخيان بظلالهما على السير الطبيعي لها ، ولكن التساهل الأمني في ترك المتهم في قضية حساسة يغادر المغرب لينجو بفعلته فهذا عين العبث والتساهل حتى لا نقول شيئا آخر.

المطلوب ارتفاع صوت الجمعيات المدافعة عن حقوق الإنسان وحقوق المرأة وحقوق الطفل لتحتج على هذا التساهل الذي كشفت عنه عملية هرب أو “تهريب” هذا الشاب الخليجي المتهم باغتصاب فتاة قاصر ، وذلك حتى تتحرك الدولة بإعادة الإعتبار لتلك الفتاة المغربية المغرر بها وحتى لا تخدش سمعة العدالة ببلادنا.

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.