سعيد الكحل
لم تكن قيادة حزب العدالة والتنمية تتوقع أن يكون رد وزارة الداخلية بتلك الحدة والصرامة على تصريحات الأمين العام عقب ظهور نتائج الانتخابات الجزئية في كل من مكناس والحسيمة ، والتي خسرها الحزب بفارق كبير في الأصوات. إذ كان الحزب يراهن على الفوز بالمقعدين لتحقيق بعض الأهداف الخاصة به، ومنها:
1ــ إطلاق ديناميكية داخل الحزبوبين الأعضاء تجعلهم يستعيدون أنشطتهم الحزبية، السياسية والجمعوية بعد الانهيار المعنوي الذي اعترفت به القيادة في صفوف الأعضاء إثر الهزيمة الكبيرة في انتخابات 8 شتنبر2021 التي أفقدت الحزب كل المكتسبات التي حققها خلال ولايتين على رأس الحكومة (لا فريق برلماني ولا مشاركة في الحكومة ولا ريع برلماني يواجه به الأزمة المالية الداخلية للحزب).
2ــ بعث الأمل في الأعضاءب إمكانية استرجاع المكانة التي كان عليها الحزب والاستعداد للمعارك الانتخابية والسياسية القادمة.
3 ــ استغلال تذمر المواطنين من غلاء المحروقات وارتفاع أسعار المواد ليقدم نفسه الحزب “البديل” والقادر على حل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والمالية للمغاربة.
إن قيادة الحزب كانت على يقين شبه تام بأن الناخبين لن يصوتوا على مرشحي أحزاب الأغلبية ، وخاصة الحزب الذي يرأس الحكومة. حقيقة لم يخفها الأمن العام للبيجيدي في تعليقه على النتائج ” في مكناس لي كنا تنتخيلو أنه كل الظروف مهيأة باش نجيبو المقعد لسبب بسيط، وخا ما كانش عندنا أمل كبير، ولكن قلنا هاذ المرشحة ديال التجمع الوطني للأحرار تجمعو معها جوج أو ثلاثة أحزاب آخرين لي هما ديال الأغلبية، وتخيلنا أن الظروف السياسية، إلى كانت الأمور معقولة، ما يمكنش لواحد الناس خارجين تيقولو لواحد الحكومة ارحلي ولواحد رئيس الحكومة ارحل ويمشيو يصوتوا على المرشحة ديالو. هذا جانا لا يستقيم. بالعكس كنا تنتخيلو أن الناس ديال مكناس باش يعضدوا موقفهم الرافض لهذه الحكومة وللفشل ديالها المسترسل منذ مجيئها إلى اليوم، كنا تنظنوا أن الناس غاديين ضد هذه الحكومة وحنا المرشح الوحيد من الأحزاب لي نسبيا لي يمكن أن تعتبر عندها حظوظ”.
لقد ربط السيد بنكيران ربطا ميكانيكيا بين هاشتاغ “ارحل” وبين التصويت لمرشحي البيجيدي. أي راهن على التصويت العقابي الذي دفع الحزب ثمنه في 8 شتنبر 2021. لكن ما لم يستحضره بنكيران هو أن المواطنين يحمّلونه كامل المسؤولية في ارتفاع أسعار المحروقات بسبب قرار التحرير الذي اتخذه لما كان رئيسا للحكومة دون أن اعتماد الإجراءات المصاحبة لعملية التحرير، والتي من شأنها منع الاحتكار والتواطؤ بين شركات توزيع المحروقات على توسيع هامش الربح. وقد سبق للسيد والي بنك المغرب أن اتهم حكومة البيجيدي بالتواطؤ مع هذه الشركات للإبقاء على سعر المحروقات مرتفعا.
لن ينس،إذن، الناخبون جريمة البيجيدي في حق الشعب المغربي، والتي تجعلهم اليوم ضحية جشع الشركات حتى بات سعر المحروقات في المغرب الأغلى عربيا. وبدل أن يحاسب بنكيران نفسه ويعترف بجرائمه في حق الشعب المغربي وشبابه وموظفيه (التوظيف بالتعاقد، تمديد سن التقاعد، حذف الترقيات بالشهادات، تحرير الأسعار..)، فضل الهروب إلى الأمام وتحميل السلطات العمومية مسؤولية خسارة حزبه الانتخابية. والضجة التي أقامها على هذه النتائج، رغم كونها لن تؤثر على وضعية الحزب داخل البرلمان، لا تقل عن تلك التي أقامها عقب الهزيمة المدوية للحزب في انتخابات 8 شتنبر 2021.
وهذا الذي جعل وزارة الداخلية تصف ما قاله بنكيران وقيادة الحزب بـ”الادعاءات المغرضة وغير المقبولة” التي “عمدت إلى محاولة الضرب في مصداقية هذه العملية الانتخابية من خلال الترويج لمجموعة من المغالطات تدعي من خلالها أن التصويت كان بتوجيه من بعض رجال السلطة، ناعتة إياهم بنعوت قدحية لا تليق بمستوى الخطاب السياسي الرزين، الذي من المفروض أن يتحلى به أمين عام حزب سياسي”.
أكيد لم يستسغ الأمين العام للبيجيدي النتائج الضعيفة التي حصل عليها مرشحيه رغم ما اعتبره إسهاما عظيما من الحزب في استقرار المغرب بعد 20 فبراير. إن مشكلة البيجيدي تكمن في اعتقاده أن الدولة بدونه ستنهار وأن المجتمع سيضِل ويتِيه “أنا إنسان صادق وتنخدم بلادي. وهذا الشي ما بقاش كلام دالمغرب، هذا كلام شاع في العالم ويعرفه العالم. والناس تمَنّاو يكونوا عندهم الناس لي عندهم المنطق ديالي في الدول ديالهم وقالوا كن كان عندنا بحال سي بنكيران لي في المغرب ﯕاع ما يوقع ذاك الشي لي وقع في بلادنا”. فبنكيران يصدق أوهامه أنه صاحب فضل كبير على الدولة وحان الوقت لجني المكاسب والمغانم.
لهذا استعمل خطاب الوعد والوعيد في الرد على وزير الداخلية “حنا السيد وزير الداخلية نُتهم بالعمالة لوزارة الداخلية ولوزارة الأوقاف وللقصر الملكي.. أنا وطني وملكي، ودائما أنحو منحى الدفاع عن الاستقرار، والإصلاح بالتي هي أحسن، إلى حد التواطؤ مع الدولة، إن جاز لي استعمال هذه الكلمة”. وعود التظاهر بخدمة الدولة والنظام سرعان ما كشف عنها الوعيد الذي واجه به بنكيران الدولة عند تعديل الدستور ثم الاعداد لانتخابات 2011.
وإذا كان استعمل بنكيران حركة 20 فبراير للضغط على الدولة قصد تمرير مطالبه المتعلقة بالدستور ثم تهديداته إن لم يتصدر حزبه نتائج الانتخابات، فإنه اليوم يحذر الدولة بتركها في مواجهة المجتمع “أنا شخصيا تنأسف علاش وزير الداخلية ديالنا يرد علينا بهذه الطريقة إلا إذا كان المقصود: أنتم جيتيو للانتخابات دوزتو حقكم كنتم في رئاسة الحكومة عشر سنوات ،كليتيو حقكم ، مشيتيو فحالاتكم دابا غاتسكتو ولا غانوضو لكم .. ما غانسكتوش.. إلى غنسكتو غير حلو هذا الحزب أنا ما عندي مانع.. وذيك الساعة سيرو منكم للمجتمع”. أكيد أن ردة فعل بنكيران والأمانة العامة للحزب التي زكّت كل ما وجهه إلى وزير الداخلية لم تكن فقط بسبب عدم الفوز في الانتخابات الجزئية، بل لعوامل أخرى، في مقدمتها هزيمة 8 شتنبر ثم الإجراءات التي اتخذتها وزارة الداخلية فيما بعد، خصوصا تلك المتعلقة بتقنين التبرعات والأعمال الخيرية التي دأبت تنظيمات الإسلام السياسي على استغلالها في توسيع قواعدها، وقبْلها القاسم الانتخابي.
إن الاحتجاج على نتائج الانتخابات له مساطره القانونية التي تسمح باللجوء، كما جاء في بيان وزارة الداخلية “إلى الهيئات الدستورية المختصة للطعن في النتائج الانتخابية، كممارسة ديمقراطية متجذرة في التجربة الانتخابية المغربية، عوض الترويج لاتهامات باطلة لا أساس لها من الصحة”. وبات مطلوبا من البيجيدي أن يخرج من جبة “البصري”، مهندس إدماج الإسلاميين في الحياة الحزبية، التي ظلت تضمن له الحظوة والمكاسب، ليخضع لقانون التنافس من أجل خدمة الصالح العام مثل بقية الأحزاب.
المصدر : https://dinpresse.net/?p=18034