البنا..مجدد التطرف
بقلم: أحمد حميدة
ولد حسن أحمد عبد الرحمن البنا في أكتوبر عام 1906، ونشأ وتربى في أسرة (متدينة)،والده الشيخ أحمد عبد الرحمن البنا الساعاتي مصنف ومرتب وشارح مسند الإمام أحمد بن حنبل، هذه البيئة ساهمت في(تدينه)،وكان الحرص باديا من أبيه على أن ينشأ ولده هذه النشأة فسمح له بمساحة كبيرة من الحركة والاتصال بالطرق الصوفية.
تأثر البنا بشيخ الطريقة الأول (حسنين الحصافي) الذي وصف في مذكراته أعظم الأثر الذي تركه الرجل في قلبه قائلا(وكان أعظم ما أخذ بمجامع قلبي وملك على لبي من سيرته رضي الله عنه شدته في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ،وأنه كان لا يخشى في الله لومة لائم ولا يدع الأمر والنهي مهما كان في حضرة كبير أو عظيم)،ثم يسترسل في ذكر مواقف الرجل مثنيا على (شدته وقسوته) في الأخذ على يد المخطئ وعدم الترفق في الدعوة والنصح الذي يتطلب رفقا ولينا وليس مجالا للشدة والعنف فقال(دخل أحد العلماء وسلم على الباشا -رياض باشا رئيس الوزراء آنذاك- وانحنى حتى قارب الركوع ،فقام الشيخ مغضبا وضربه على خديه بمجمع يده ونهره بشدة)!.
أشار أيضا إلى بعض ما عده من مآثر الشيخ من قوته في الحق، وعدم السماح للباطل أن يستشري،ناظرا من زاويته فقط وفق تعريفه لاحق والباطل من منظوره متغافلا أو غافلا زوايا أخرى فقهية،يرى أصحابها عكس ما يراه في العديد من القضايا فذكر واقعة للشيخ وهي زيارة(بعض مريديه من الموظفين في دوائر المساحة فرأى في مكتبه بعض تماثيل من الجبس فسأله:ما هذا يا فلان؟فقال هذه تماثيل نحتاج إليها في عملنا، فقال :إن ذلك حرام وأمسك بالتمثال وكسر عنقه) معللا ذلك بأنه ينافي التوحيد الخالص وهو مظهر من مظاهر الوثنية وربما تكون ذريعة لعبادتها! تشكل هذا الفهم باكرا في حياته حين كان عمره وقتها لم يتجاوز الثانية عشرة!.
أسس البنا تنظيمه في العام 1928 وشرع في صياغة منطلقاته الفكرية ومرتكزاته السياسية؛والنصوص التي من خلالها يتم صياغة الوعي الجمعي الإخواني تجاه العديد من القضايا الفكرية والفقهية والعقدية والسياسية،حيث قام بتشخيص الواقع من زاويته وصاغ مقاربة شاملة من خلال العودة إلى التراث والبحث عن تفسير وإجابات عن أسئلة الواقع المعاش ،ثم حدد وَفق هذا التصور النموذج الذي يجب الانتقال إليه ومن ثم الاستراتيجية التي تقود إلى هذا الانتقال فقال في رسالة الإخوان تحت راية القرآن(كل النظم التي تسيرون عليها في شؤونكم الحيوية نظم تقليدية بحته لا تتصل بالإسلام ولا تستمد منه ولا تعتمد عليه)،ثم ينفُذ من هذا التشخيص إلى إلى تصنيف الناس تجاه جماعته على هذا النحو(مؤمن،متردد،نفعي،متحامل).
ثم ينتقل البنا بتنظيمه نقلة نوعية من حيث الخطاب والممارسة،وذلك في العام 1938 الذي أنشأ فيه النظام الخاص، وذهب في تهديده ووعيده لخصومه السياسيين مدى بعيدا فقال في افتتاحية مجلة النذير عام 1938 (فإن أجابوا الدعوة وسلكوا السبيل إلى الغاية آزرناهم،وإن لجئوا إلى المواربة والروغان وتستروا بالأعذار الواهية والحجج المردودة، فنحن حرب على كل زعيم أو رئيس حزب أو هيئة لا تعمل لنصرة الإسلام، ولا تسير في الطريق لاستعادة حكم الإسلام ومجد الإسلام، سنعلنها خصومة لا سلم معها ولا هوادة فيها).
وفي ذات المجلة أيضا العدد(37) تحت عنوان:في صميم الدعوة..الله غايتنا قال(وإذا وقف الأهلون والأبناء حائلا دون هذه الغاية،فإن الأخ المسلم الذي يهتف من قلبه الله غايتنا على أتم استعداد لمفارقة هؤلاء الأهل والأبناء في سبيل الله..لا..بل لمجاهدتهم وقتالهم..وقتلهم..إن وقفوا في طريق دعوة الله).
بذرة هذا التطرف تشكلت باكرا في حياة البنا وظلت تنمو وتكبر حتى صاغت هذه النصوص التي بين أيدينا ومن المفارقة أن دعوته لاستعمال العنف المادي مع المخالفين صدرت قبل أن يكون ثمة تضييق على الجماعة أو تعرضها لمحن أو سجون،بل على العكس تماما لقد كانت ساحة القطر المصري وخارجه مفتوحة لحركته دون أية ملاحقه!.
التعليقات