فاطمة الزهراء الشباني
لسنا وحيدين: هل صادفت مثلي منشورات وصفحات وقنوات تصب في علم النفس؟ هل في حديث مع صديق تسللت كلمة لاوعي ونرجسية وغيرها من مصطلحات؟
هل طالعت وسمعت عن شخصية المرء وسلوكاته؟ وكيف يحل مخلفات صدمات [trauma] طفولته؟ وكيف يفسر تصرفاته واختياراته الناتجة عما حصل في السنوات الأولى من حياته؟ وتأثير ترتيبه بين إخوته؟ وما حصل نتيجة ما يحمله في جيناته من مخلفات الحمولة والتجارب النفسية عند أجداده.. إلخ.
لا تتعجب، فنحن لسنا الوحيدين، فبالفعل خلال إحصائيات للسنة الأكاديمية الماضية، تهم التخصصات التي تتصدر اختيارات الطلبة عند ولوجهم الدراسات العليا، علم النفس هو رقم واحد حاليا.
لا أميل للتركيز على الجزء الفارغ من الكأس وأنا أبني رأيا شخصيا حول ظاهرة أو مستجد. وفي هذه الحالة، أومن إيمانا راسخا أن الله تعالى له حكمة من وراء هذا الأمر. هذا الاهتمام المتزايد بعلم النفس لا بد أن المجتمع محتاج له أكثر حاليا. خصوصا بعد أزمة كورونا التي احتجزتنا جميعا مع أنفسنا لمدة كي نقوم بالعمل الذي نهرب منه في الأماكن والمشاوير والأسفار وفي ضجيج المواصلات ولقاء الأغراب، لأنه عمل شاق جدا.
اختيار الإنسان في رحلته الدنيوية المباركة أن يسبر أغوار نفسه ليفهمها ويغير ما بها ليغير الله ما به، وبالتالي ما بأمته، هو أمر طيب لا محالة، يحط أصبعه على هذه trauma ويدرس pattern علاقته مع والديه، ويفهم هذا الخلل في أسرته من الجيل السابق ويعالج هذا الزلل في سلوكه نتيجة هذا وجراء ذلك وينظم علاقاته الاجتماعية. ما أسعدنا جميعا إذا كان ذلك سيساعد الشخص كي يحيى حياة طيبة!
لكن الشيطان له لعبة يريد دائما فيها لبس الحق بالباطل، وخلط الخبيث بالطيب. الأمر لن يرضيه طبعا، ينقض على الفرصة وينفث في نفس الباحث في خبايا نفسه ويوقظ شيئا من أمراضها، حقد على والديه مثلا، قرار بقطيعة مع أهله لأن الأمر أسهل على نفسه، شيء من الكبر لأنه فهم الأمر أحسن من الآخرين، اعتراض باطن على قضاء الله … وأشياء أقبح ربما.
يكون الخبيث بذلك قد أوفى بوعده، فيسوق موجة الخير الموعودة أن تكون من الذين أنعم الله عليهم ليكونوا من الضالين المغضوب عليهم.
جزى الله خيرا أصحاب العلوم الإنسانية بأصنافها فهم من ركائز تطور الأمم وصلاحها.
لكن، كما أن علوم الكون قابلة للمساءلة والتطوير والتغيير، فعلم النفس مدارس ووجهات نظر. ألم تعد الأرض المسطحة بعد غاليليو مستديرة؟ وماذا عما كان يدعى لعنة في الأساطير من أوبئة بعد باستور؟ ومثيلها من التشوهات الخلقية بعد علم الجينات؟
التعامل الأرجح مع هذه المستجدات وانتشارها بيننا هي أن نستفيد من ثمارها، لكن أن نحرص أن يظل الأمر في إطار القوانين الإلهية المقدسة في الكتاب والسنة، فهي لجام فرس الباحث عن كل حقيقة، الذي له خصوصية في حالتنا وهو أننا بفضل الله مؤمنون لا نتبع كل ناعق ولا نميل مع كل ريح.
بخلاف النظريات والمستحدثات الإنسانية التي تدوم حقبة وتأتي بعدها أخرى، أو يكون لها مناصرون ومعارضون أيضا، أو تظهر لها مدرسة في هذا البلد ونقيضها في بلد آخر، تظل القوانين الإلهية صالحة لكل زمان ومكان، فبر الوالدين ليس وجهة نظر وصلة الرحم ليست نظرية، وخفض الجناح ونبذ الحقد والدعوة للتآلف والتآخي ليست آراء للمناقشة والتحليل.