منتصر حمادة
سليمان بشير ديان مفكر سنغالي، ولد هناك في سانت لويس تحديداً، سنة 1955، ودرس بالسوربون، كما درس في هارفرد، وتخصص في فلسفة الرياضيات والمنطق، مع اهتمام واسع بالإسلاميات والفلسفة السياسية والآداب الإفريقية وأسئلة الهوية.
في عام 1982 رجع ديان إلى وطنه الأصلي وقام بتدريس مادة الفلسفة في جامعة الشيخ أنتاديوب في دكار، حيث أصبح نائب عميد كلية العلوم الإنسانية. وقام الرئيس السابق عبده ضيوف، بتعيينه مستشاره التعليمي والثقافي، حيث شغل المنصب من 1993-1999.
تعرفنا على الرجل منذ حوالي عقدين، عبر الحوارات والمقالات التي تنشر له في منابر بحثية أو إعلامية فرنسية، ولا زلنا نتذكر مضامين أحد الأعداد الخاصة لمجلة “لونوفيل أوبرسرفاتور”، وصدر في غضون 2004، حيث كان بشير ديان من بين أهم المفكرين على الصعيد العالمي حسب المجلة، (ضمن لائحة ضمت 25 اسماً). صحيح أنه لا يمكن الفصل في طبيعة هؤلاء، إضافة إلى أن الحكمة هنا مرهونة بطبيعة مرجعية معدي مثل هذه الملفات، دون الحديث عن ثقل “المركزية الغربية” في إصدار هذه الأحكام والمواقف عبر هذه الملفات، ومع ذلك، كان إثم الرجل حاضراً، وهذا أمر ليس هيناً قط، أخذاً بعين الاعتبار المحددات سالفة الذكر.
رغم أن سليمان بشير ديان يطالب فرنسا بأن تعترف بوضوح بتاريخها الاستعماري، فإنه حاضر بين الفينة والأخرى في المنابر الفكرية هناك (وخاصة في مجلة “فلسفة” الفرنسية، و”المجلة الأدبية”)، وبالمقابل، من النادر أن نعاينه حضوره في بعض ملتقيات الوطن العربي، باستثناء انفتاح المؤسسات المغربية عليه خلال السنين الأخيرة، حيث شارك مؤخراً في إحدى الندوات التي نظمت في العاصمة الرباط، في غضون فبراير الماضي، كما حاضر بمقر مؤسسة “مؤمنون” البحثية في ماي 2015، بدعوة أو مبادرة قام بها السيد ولد اباه، والذي يقف وراء محاضرة ديان، حتى إنه تكلف بتقديم المحاضر للجمهور بحكم الصداقة التي تجمعه به.
أما ذروة الاعتراف العربي بأعمال الرجل، فجاءت من المغرب، عندما أصبح ديان ابتداءً من نونبر 2023، ضمن لائحة الأعضاء الجدد لأكاديمية المملكة المغربية، التي تعتبر أعلى هيئة فكرية بالمملكة، وسنة بعد ذلك، سوف يشارك ديان في فعاليات المعرض الدولي للنشر والكتاب بالعاصمة الرباط (نسخة 2024).
من أقواله الشهيرة: “من الخطأ الاعتقاد أن الفلسفة اختراع أوروبي أوجدته المعجزة اليونانية. الممارسة الفلسفية غُرست في جسد الإنسان انطلاقاً من اللحظة التي دفن فيها موتاه، وتساءل حول معنى الحياة وزين الأضرحة بالأعمال الفنية. جميع الثقافات، بما فيها الثقافات الشفوية، لها حظها من هذه القدرة الفلسفية الخالصة، والتي تخولها اتخاذ المسافة من تراثها وإخضاعه للنقد”.
يُعتبر ديان من أعضاء الجيل الأخير الذي درس على يد كبار الفلاسفة الفرنسيين، وإن كان افتتح أعماله البحثية بالاشتغال على موضوع الشك عند الغزالي، فقد انتقل لاحقاً إلى الكتابة حول المفكر الهندي محمد إقبال الذي كان أثره بارزاً على مساره العلمي، قبل صدور كتابه “التفلسف الإسلامي” الذي انتشر انتشاراً واسعاً، وترجم ومازال لعدد من اللغات منها العربية التي سيترجم إليها مستقبلاً، حيث خلُص البروفيسور في جامعة كولومبيا الأمريكية، إلى أن الفلسفة ليست غريبة عن الإسلام، وليست التعبير الطبيعي عن أيّة ثقافة بعينها، ولا عن أي دين بعينه، متوقفاً في مقدمة الكتاب عند عالميّة الفلسفة وأهميتها، لمواصلة الكفاح من أجل تنوير التعليم ضدّ روح الانغلاق والتعصب الديني الذي يؤدي إليه، مضيفاً أيضاً أن الفكر النقدي يقع في صميم النصوص القرآنية التي تدعو إلى التأمّل، حيث إن النص القرآني، في كثير من الأحيان، يشير إلى أنّ بعض مقاطعه غير بيّنة وجليّة بتاتاً، بالنسبة إلى أولئك الذين يريدون الالتزام بمضمونها الحرفي، وبأنّها تحضّ على التفكّر كلَّ أولئك الذين يعرفون كيف يُفكّرون.
بخصوص اشتغاله على محمد إقبال، وجب التنويه المبادرة التي قام بها الباحث والمترجم فريد الزاهي، والذي أصدر مؤخراً، عن دار “توبقال”، عملاً مترجماً لبشير ديان، بعنوان: “برغسون ما بعد الكولونيالي: الفلسفة الحيوية لدى ليبرولد سيدار سنغور ومحمد إقبال” (جاء الكتاب في 87 صفحة)
وأصل هذا الاشتغال المزدوج على أعمال برغسون وإقبال، مرده محادثة بين هنري برغسون (1859-1941)، ومحمد إقبال (1877-1938)؛ حيث ابتداءً من هذا اللقاء ولِد التفكير في الوقت، حيث يتوقف ديان عند عدة قواسم مشتركة بين الرجلين، ومنها طبيعة اشتغالها على سؤال الأخلاق، ففي كتابه “مصدرا الدين والأخلاق”، يفرّق برغسون بين الأخلاق المفتوحة، والأخلاق المنغلقة، وبين الدين الحيوي، والدين الساكن والجامد. واعتماداً على هذا هو يفرّق بين نموذجين من المجتمع، واتضح أن محمد إقبال لم يختلف كثيراً عن هنري برغسون في هذا المجال. فبالنسبة إليه، المتصوف ليس ذاك الذي يغرق في التأمل مهملاً العالم من حوله، وليس ذاك الذي يتحصّن في برجه العاجي ليذوب ذوباناً كلياً في حبّ الله، وعجائب الكون، وإنما هو ذاك الذي يشعر بمسؤولية إزاء مجتمع أصابه التفسخ، ونخره الفساد، وهيمن عليه الاستبداد لينتفي كل شكل من أشكال الحرية، سواء أكانت فردية أم جماعية.
ومادام موضوع تجديد الخطاب الديني في صلب اهتمامات الرجل، أو قل تحديث الخطاب الإسلامي، فيرى سليمان بشير ديان أن العودة إلى فكر محمد إقبال ضرورية لتحقيق مثل هذا الهدف، وبيان ذلك أن الاجتهاد عند إقبال يكاد يكون له معنى برغسوني، أي معنى الخلق والابتكار من أجل التجديد ومن أجل الحيوية والديناميكية.
درس سليمان بشير ديان مفيد كثيراً لأقلام المغرب والوطن العربي، وخاصة الأقلام التي تشتغل في الحقل الفلسفي أو معنية به، حتى تتحرر من السياجات الفكرية الضيقة التي انخرطت فيها بمقتضى الدفاع عن هذا الاسم أو غيره، والانفتاح على آفاق إنسانية رحبة، مادام بشير ديان، الذي ينهل من تراث إسلامي صوفي، ينتصر لخطاب معرفي وأخلاقي يروم الوصل بين الشرق والغرب ويُغذي أفق المشترك الإنساني، إضافة إلى تميزه بأخلاق التواضع والسماحة، والابتعاد الصريح عن تهاتف الخطاب الإيديولوجية، باسم هذه المرجعية أو تلك.
المصدر : https://dinpresse.net/?p=24122