حسين زين الدين
قيل: إن لكل شيء جوهر، وجوهر الإنسانِ عقله، وجوهر العقل الوعي في طريقة رؤيتِه للأشياء! في كتابه «ميلاد الوعي» يكتب الكاتب منصور الزغيبي في مقدمته: «إن مفردة الوعي تحتل قيمة تفوق كلَّ المفردات الأخرى، لأنّها هي المدخل الرئيسي لعوالمِ المصطلحات التي تشكل حياة الإنسان.. فالنقد يشكل إحدى مفاتيِحه الرئيسة في نموه وتطوره، فهو » كالفكر، أو هو فكر لا يتغذى ولا ينمو إلا بالتساؤل المستمر” كما يعتقده الشاعر والناقد العربي أدونيس. فالسؤال هو المحفز الأول في عملية توليد الأفكار إذ يفتح على الإنسان آفاقا معرفية ومفاهيم جديدة، ويجعله يعيش العصر بكل تجلياته في أُطر جديدة، لكن، بعد أن يتجاوز العقل كلَّ ماهو سائد في النظام الاجتماعي ويتمتع بعقلية متجددة وباستقلالية مفردة ومنفصلة عن تأثيرات الواقع.
وبدل من الانشغال بالعلوم والمعارف الإنسانية التي تدفع بالوعي المجتمعي بالرقي والتقدم، راحت مجتمعاتنا تنشغل بالأمور السطحية والجانبية التي تدفعنا إلى مزيد من التخلف الفكري والأخلاقي، وتستنزف من قدراتنا العقلية والفكرية في أمور لا قيمة له، وشكل الإعلام بشعاراته المخادعة المضللة والمصممة لتخدم كل ما من شانه إبعاد الأمة عن الاستضاءة بنور المشروع النهضوي، إضافة إلى الخطاب الديني المنغلق الذي لا يستهدف الوعي بقدر مايهدف إلى إلغاء فاعلية العقل في الكثير من المواضع.
لقد أصبح لزاما علينا في مجتمعنا العربي أن تعي حكومات وشعوب حقيقة مجتمع المعرفة في ظل التطور البشري للعلوم التقنية والمعرفية التي تشكل مقياسا لمعنى القوة والتفوق في صناعة أنماط الحياة.
اليوم أصبح من الضرورة التفكير في صناعة ذلك المجتمع القادر على مواجهة التحديات وحلحلة المشاريع المُعيقة لحالة التنمية المعرفية، ويمكننا أن نعرف مجتمع المعرفة على أنه « مجموعة من الناس ذوي الاهتمامات المتقاربة، الذين يحاولون الاستفادةَ من تجميع معرفتِهم سويا بشأن المجالات التي يهتمون بها، وخِلال هذه العملية يضيفون المزيد إلى هذه المعرفة، وهكذا فإن المعرفة هي الناتج العقلي والمجدي لعمليات الإدراك والتعلُّم والتفكير».
وفيه يمكننا أن نفتتح بعض المداخل للاقتراب من واقع المعرفة والتفكير في سبل النهوض بمتطلباته.
أولا: ضرورة توفير بيئات حاضنة ومؤسسات وسياسات داعمة في إنتاج واستحداث المعرفة في الوطن العربي.
ثانيا: دفع مبدأ التواصل مع العالم دون الإغفال عن مبدأ التواصل مع الذات مع إصلاح مابها من خلل واعوجاج ومنحها القدرة على أن يكون تواصلها مع العالم منتجا وفاعلا.
ثالثا: تأسيس مراكز ومراصد وطنية وقومية منتجة للمعلومة والإحصاءات في مجتمعاتنا العربية.
رابعا: تعزيز علاقة المعرفة بالحرية وبكل مايمكن أن يساهم في تعزيز الكرامة الإنسانية.
Source : https://dinpresse.net/?p=7778