22 يوليو 2025 / 15:54

الإمبراطورية المغربية بأعين الكاتب والصحفي البريطاني بادجت ميكين

لطفي الصمدي. باحث مغربي يقيم في أمريكا

في أواخر القرن التاسع عشر، رسم الكاتب والصحفي البريطاني Budgett Meakin صورة دقيقة وعميقة للإمبراطورية المغربية من خلال ثلاثيته الكلاسيكية: The Moors (1902)، The Land of the Moors (1901)، وThe Moorish Empire (1899). هذه الكتب، المبنية على ملاحظات ميدانية خلال إقامته الطويلة في المغرب، تمثل شهادة نادرة من شاهد أجنبي حيّ على وحدة وتماسك كيان إمبراطوري عرف كيف يصمد أمام الغزوات والاضطرابات لأكثر من 12 قرنًا.
في كتابه الأهم، The Moorish Empire، يصف Meakin الإمبراطورية المغربية كوحدة سياسية وثقافية متماسكة:

“The Moorish Empire must not be viewed as a mere aggregation of tribes or dynasties. It has ever been a living organism, evolving, adapting, but never ceasing to be distinctively itself.”

(لا ينبغي النظر إلى الإمبراطورية المغربية على أنها مجرد تجمّع لقبائل أو سلالات. لقد كانت دائمًا كيانًا حيًا، يتطور ويتكيّف، لكنه لم يتوقف يومًا عن أن يكون نفسه بتميزه الخاص.)
هذا الوصف يتجاوز الطابع القبلي أو المحلي، ليؤكد أن المغرب لم يكن مجرد ممالك متفرقة، بل كيانًا مترابطًا يشكل جزءًا من بنية حضارية ممتدة من طنجة إلى تمبكتو، ومن فاس إلى الأندلس.
12 قرنًا من الصمود والتحول
يركز Meakin على تطور هذه الإمبراطورية منذ الفتح (الغزو) الإسلامي عام 711م بقيادة طارق بن زياد، وحتى القرن التاسع عشر، مشيرًا إلى أن المغرب كان دائمًا يتميز بقدرته على إعادة تشكيل نفسه عبر السلالات، من الأدارسة إلى العلويين، مرورًا بالمرابطين والموحدين:

“Dynasties came and went, but the soul of the Moorish nation remained. No conqueror ever truly subdued Morocco — he merely borrowed its crown”

(السلالات جاءت وذهبت، لكن روح الأمة المغربية بقيت. لم يُخضع أحد المغرب حقًا — بل كان كل غازٍ يستعير تاجه فقط.)
وهذا المعطى التاريخي يحمل دلالة استراتيجية في الحاضر: المغرب ليس كيانًا هشًا يمكن تفكيكه أو فرض الوصاية عليه، بل دولة ذات عمق جيوسياسي وهوياتي يصعب كسره.
الجزائر: دولة وظيفية في مواجهة إمبراطورية تاريخية
إذا كان المغرب كيانًا حيًا مستمرًا في الزمن، فإن الجزائر، كما تشكلت على يد فرنسا الاستعمارية عام 1830، لا تملك نفس الجذور التاريخية. الجزائر الحديثة هي نتاج هندسة استعمارية فرنسية حول “الجزائر الفرنسية”، ثم توسعت جغرافيًا على حساب المغرب خلال اتفاقيات 1900-1912، حيث اقتُطعت مناطق الصحراء الشرقية، من تندوف إلى بشار، لضمان التحكم في الطرق الصحراوية والموارد.
من هنا، فإن الوصف الواقعي لهذا الكيان هو “الدولة الوظيفية” — أي دولة أُنشئت لخدمة أجندات خارجية، وتستمر في أداء هذا الدور بعد الاستقلال عام 1962. فوظيفتها لم تكن بناء وحدة مغاربية، بل عرقلة مشاريع التكامل الإقليمي وإضعاف المغرب.
ميزان القوى في 2025: المغرب يتقدم، والجزائر تنعزل
في الوقت الحالي، يُظهر الواقع الإقليمي بوضوح أن المغرب استطاع تعزيز نفوذه في إفريقيا، مستفيدًا من عمقه التاريخي والدبلوماسي. في المقابل، تغرق الجزائر في سياسة عدائية انعزالية، قائمة على دعم الانفصال والإرهاب الإقليمي:
– البوليساريو: منذ 1975، والجزائر تمول وتسلّح هذه الميليشيا الانفصالية التي تسعى لتقسيم المغرب. هذا الدعم مستمر رغم تآكل شرعية المشروع في المحافل الدولية، حيث باتت دول مثل غانا، رواندا، وبريطانيا تدعم مقترح الحكم الذاتي المغربي.
– إيران وحزب الله: بحسب تقارير استخباراتية حديثة (2025)، تؤكد تورط إيران في دعم البوليساريو عبر حزب الله، ما يهدد بتحويل النزاع إلى صراع إقليمي طائفي، في ظل غياب مؤسسات جزائرية مستقلة يمكنها لجم هذا الانفلات.
– الجيش الجزائري: يعاني من أزمة عقيدة وشرعية، حيث يهيمن عليه الجنرالات الفاسدون، وتطاله فضائح صفقات الأسلحة والمحاكمات منذ 2019. عوض أن يكون قوة دفاع عن الدولة، تحوّل إلى أداة لابتزاز الداخل وتأزيم الجوار.
الوحدة المغربية مستمرة
بينما يواجه المغرب هذه التحديات، يواصل تعزيز روابطه الداخلية، خاصة في الصحراء المغربية، التي باتت اليوم تشهد استثمارات ضخمة في البنية التحتية، الطاقة المتجددة، والنقل، تمهيدًا لتنظيم مونديال 2030 بالتشارك مع إسبانيا والبرتغال. هذا الحدث العالمي يُستخدم كرافعة دبلوماسية لإغلاق ملف النزاع وتعزيز السيادة.

“No empire survives without adapting. The Moroccan genius lies in building on ruins rather than starting anew.”

(لا توجد إمبراطورية تصمد دون أن تتكيف. وعبقرية المغرب تكمن في البناء على الأنقاض بدلاً من البدء من الصفر.)
هذا الاقتباس يلخص سر بقاء المغرب وصموده: القدرة على النهوض بعد كل نكسة، لا بانقلاب أو تفكك، بل بإعادة البناء من الداخل — عبر سلالات وطنية، ومؤسسات مرنة، وشعب متجذر في الأرض والتاريخ.
نحو استعادة الصحراء الشرقية وميلية وسبتة؟
الصحراء المغربية استُعيدت عام 1975، والصحراء الشرقية (تندوف، بشار) ستبقى قضية قائمة طالما لم تُعالج جذورها التاريخية. كذلك، فإن سبتة ومليلية لا يمكن إسقاطهما من الذاكرة السيادية. إلا أن المغرب اليوم، خلافًا للجزائر، لا يعول على الحرب، بل على الدبلوماسية الذكية والبناء الداخلي.
فكما صمدت الإمبراطورية المغربية قرونًا، ستصمد الدولة المغربية الحديثة، وتستمر في استعادة وحدتها التاريخية، مهما طال الزمان، ومهما تعاظمت مناورات “الدولة الوظيفية” المجاورة.