19 أكتوبر 2025 / 09:07

الإمام المغربي في السياق الفرنسي

أمزضاو إبراهيم
إمام خطيب وباحث بسلك الدكتوراه في العلوم الشرعية

من أعظم النعم التي يمنّ الله بها على عباده أن يختار من بينهم من يتولى شؤون دينهم، فيعلمهم ويرشدهم، ويؤمّهم في صلاتهم، ويقودهم إلى طريق الخير والهداية :﴿ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ﴾ [السجدة: 24] أي: علماء بالشرع، وطرق الهداية، وأئمة يهدون بأمر اللّه، وأتباع يهتدون بهم ويقتدون.

إن مهمة الإمام ليست مهمة عادية، بل هي أمانة عظيمة ومسؤولية كبيرة، قال الله تعالى: :﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا﴾ [النساء: 58].

فالإمام مؤتمن على دين الناس وعبادتهم، وهو الذي يجمعهم على كلمة الحق، ويقودهم إلى طريق الخير. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ” الإمام ضامن، والمؤذن مؤتمن، اللهم أرشد الأئمة واغفر للمؤذنين” ( رواه أحمد وأبو داود).

لقد أنعم الله على بلادنا المغرب بخيرة من الأئمة وبكل فخر واعتزاز، يجمعون بين الأصالة المغربية في الدين،والاعتدال والوسطية في الفقه والفكر والسلوك. فهم يسيرون على منهج المذهب المالكي، والعقيدة الأشعرية، والتصوف السني الذي يقوم على تزكية النفس ومكارم الأخلاق.

وهو منهج سليم مناقض للتطرف أو الانحراف، ولا يخرج عن السنة النبوية المطهرة، بل هو امتداد صادق لها في الوسطية والاعتدال.

وحين يذهب الإمام المغربي إلى فرنسا، فإنه يحمل معه رسالة الإسلام المعتدل، يدعو الناس بالحكمة والموعظة الحسنة، كما قال الله تعالى: :﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ﴾ [النحل: 125].

فلا يقتصر دوره على إقامة الصلوات وإلقاء الخطب، بل يتعداه ليكون مرشداً ومربياً ومصلحاً، يُجسّد الإسلام في صورته السمحة، ويغرس قيم الرحمة والتعايش.

وهو بذلك إمام ومربي ومصلح اجتماعي، وسفير لقيم الإسلام المعتدل وصورة مشرقة عن بلده بالخارج.

وهكذا تتعدد مهام الإمام المغربي في فرنسا، حيث تختلف طبيعة عمله عن دوره في بلده الأم المغرب. فبالإضافة إلى التشابه في بعض المهام الدينية الأساسية، تضاف إليه مهام خاصة بالبيئة الجديدة، لتشمل مجموعة واسعة من المسؤوليات الدينية والاجتماعية والأخلاقية. وفيما يلي أبرز هذه المهام، مع ما يضاف إليها من مسؤوليات رئيسية:

– الإمامة والخطابة : يقيم الصلوات ويخطب الجمع والأعياد، ويقرأ الحزب الراتب، ويؤم الناس في التراويح والجنازات.

– الإفتاء والإرشاد : يجيب عن تساؤلات المسلمين الفقهية وقضاياهم المتعددة والمتمثلة في النوازل والمستجدات.

– المشاركة الاجتماعية والدينية : حضور المناسبات الاجتماعية والدينية والعائلية كالأعراس والعقائق وحضور مجالس إصلاح ذات البين.

– زيارة السجون والمستشفيات : يواسي المرضى والنزلاء ويقدم لهم الدعم الروحي.

– تأطير الحجاج والمعتمرين : مرافقتهم خلال أداء مناسك الحج والعمرة منذ الانطلاق وحتى العودة إلى بلدانهم.

– المشاركة في اللقاءات الحوارية بين أتباع مختلف الأديان والثقافات، مما يعكس ثقافة الإمام المغربي وانفتاحه الفكري ويبين صورة الإسلام الحقيقية القائمة على التعارف والسلام (وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا﴾ [الحجرات: 13].
– ⁠حضور حفلات واجتماعات ولقاءات رسمية منظمة من طرف سلطات عمومية وطنية ومحلية.
وبهذا الدور المتنوع وحمل الأمانة الكبيرة، تتضح مكانة الإمام المغربي في السياق الفرنسي، فهو نموذج يمثل الأصالة والوسطية، ويواجه التحديات في مهمته بروح التفاني والإخلاص.
والله ولي التوفيق وهو يهدي السبيل.