أصدرت دار الإفتاء المصرية اليوم بيانا شديد اللهجة ردا على الدعوات المتزايدة التي تنادي بالجهاد المسلح والتدخل العسكري ضد الاحتلال الإسرائيلي، مشددة على أن الجهاد في الإسلام ليس شعارا يُرفع، بل هو مفهوم شرعي دقيق تحكمه ضوابط صارمة وشروط محددة وأركان قائمة على مقاصد واضحة، لا يحق لأي جهة أو جماعة أن تتصدر للفتوى فيه بمعزل عن المؤسسات الشرعية والرسمية، لأن ذلك يعد تجاوزا خطيرا لمقاصد الشريعة وقد يؤدي إلى زعزعة استقرار الدول الإسلامية وتهديد أمن شعوبها.
وأكدت دار الإفتاء، في بيان نشرته، أن مناصرة الشعب الفلسطيني واجب شرعي وإنساني وأخلاقي، شريطة أن تكون ضمن مسارات مدروسة تُحقق مصلحته ولا تجرّه إلى مغامرات غير محسوبة، قد تفضي إلى مزيد من الدمار والتشريد والمعاناة.
وأضافت أن الشريعة الإسلامية جعلت قرار الجهاد وإعلان الحرب من اختصاص الدولة الشرعية والقيادة السياسية، وليس عبر منابر الكيانات غير الرسمية والاتحادات التي لا تملك شرعية قانونية أو دينية، معتبرة أن التحريض على تجاوز الأنظمة القانونية والخروج على ولاة الأمور دعوة إلى الفوضى، وتعارض صريح مع أوامر الله ورسوله الكريم صلى الله عليه وسلم.
وشدّدت الدار على أن الجهاد لا يُفصل عن واقع الأمة السياسي والعسكري والاقتصادي، وأن إطلاق مثل هذه الدعوات بمعزل عن النظر في المآلات والمصالح والمفاسد هو مخالفة مباشرة للمبادئ الشرعية، التي تأمر بالأخذ بالأسباب ومراعاة عواقب القرارات، لا سيما في قضايا الدماء والمصير.
ولفتت إلى أن من يدعو للجهاد ينبغي له، اقتداء بهدي النبي صلى الله عليه وسلم، أن يتقدم الصفوف بنفسه، لا أن يطلق الشعارات من بعيد ويترك الآخرين يواجهون المصير وحدهم.
واعتبرت دار الإفتاء أن الحكمة والمقاصد العليا للشريعة تقتضي توجيه الجهود نحو وقف التصعيد ومنع التهجير، لا الانخراط في مواجهات ارتجالية قد تعمق جراح الشعب الفلسطيني.
وفي ختام بيانها، دعت إلى التسلح بالعلم والبصيرة وتجنب الانسياق وراء شعارات عاطفية تفتقر إلى الحكمة والواقعية، مشيرة إلى أن دعم القضية الفلسطينية يجب أن يكون واعيًا ومسؤولًا، بعيدًا عن المزايدات السياسية أو الدينية التي قد تزيد من تفاقم المأساة بدلًا من إنهائها.