2 يونيو 2025 / 22:36

“الإسلام المتعدد”.. عبد الحكيم أبواللوز يفتح أفقا جديدا لفهم الدين في المغرب

صدر عن الدكتور عبد الحكيم أبواللوز، الأستاذ الباحث بجامعة ابن زهر بأكادير، كتاب جديد يحمل عنوان “الإسلام المتعدد: ديناميات الفاعلين الدينيين”، ويعد هذا العمل امتدادا لسنوات من الاشتغال الميداني والنظري على الحركات الدينية في المغرب، ضمن رؤية تحليلية تنتمي إلى حقل دراسات الدين والسياسة.

ويتوخى الكتاب تقديم قراءة مركبة لتنوع الفاعلين الدينيين، وتشابك تمثلاتهم وخطاباتهم وممارساتهم، في مجتمع لا يمكن اختزاله في نمط ديني واحد، ولا في فاعل مؤسسي وحيد.

وينخرط هذا الإصدار ضمن ما يعرف بالدراسات السوسيوسياسية للدين، حيث يركز على العلاقة المعقدة بين الدين والسياسة، ويسعى إلى فهم الأثر المتبادل بينهما في تشكيل الهويات الجماعية والسلوك السياسي.

ويعتمد المؤلف في مقاربته على مرجعيات أكاديمية دقيقة، ويستلهم مناهج علم الاجتماع السياسي والأنثروبولوجيا الدينية، لتفكيك البنيات العميقة للحقل الديني المغربي، انطلاقا من تحليل الوقائع الميدانية وتوثيق تحولات الفاعلين داخل هذا الحقل.

يرى الدكتور أبواللوز أن الاهتمام بديناميات الفاعلين الدينيين في المغرب لم يخل من القصور المنهجي، إذ اقتصرت جل الدراسات السابقة على مستويات محددة من النشاط الديني، مما فوت عليها فرصة الإمساك بالصورة الكلية لحقل ديني متشابك.

ويشير إلى أن الكثير من هذه الأبحاث تبنت تصورا اختزاليا للإسلام بوصفه دينا ناجزا ومطلقا، مما جعل الرؤية البحثية تنغلق ضمن أفق معياري، وتغفل الأسئلة المتعلقة بالتاريخ، والذاكرة، والتفاعل الاجتماعي، وهو ما أدى إلى تسييج موضوع البحث وإقصاء البياضات الخصبة التي توجد خارج دوائر التحليل التقليدي.

ويقدم الكتاب تصورا جديدا للحقل الديني المغربي، قائما على فكرة تعدد الإسلام بدل اختزاله في نموذج واحد، ويقترح أبواللوز التمييز بين ثلاث تشكيلات خطابية كبرى: الإسلام الرسمي، ويمثله الجهاز الديني للدولة وما يرتبط به من سياسات عمومية ومؤسسات تأطيرية؛ الإسلام السياسي، وهو ما يعبّر عن الفاعلين والتنظيمات والخطابات التي تتفاعل مع المجال السياسي وتسعى إلى التأثير فيه من خلال المرجعية الدينية؛ ثم الإسلام الشعبي، الذي يضم الممارسات الدينية المتجذرة في الثقافة الشفوية والرمزية، ويتفاعل مع الحقول الاجتماعية من خلال الإرث الصوفي، والعادات، والطقوس اليومية.

ويؤكد المؤلف أن هذا التصور الثلاثي لا يعني الفصل بين هذه التشكيلات، بل يستند إلى فرضية التفاعل بينها، ضمن منطق دينامي يتقاطع فيه الثابت والمتحول، ويبرز أن النشاط الديني في المغرب لا يمكن تحليله بمعزل عن هذا التعدد، ولا يمكن تفسير تحولات فاعل ديني معين دون استحضار أثر التشكيلات الأخرى عليه.

ويضرب مثلا بالسلفية المغربية، التي اشتغل عليها مطولا في كتابه السابق “الحركات السلفية في المغرب: بحث أنثروبولوجي سوسيولوجي”، حيث لاحظ أن الفاعل السلفي لم يكن يتحرك داخل فضاء مغلق، بل تفاعل مع خطابات أخرى كحقوق الإنسان، ولامس مجالات لم تكن جزء من أفقه الأصلي، وهو ما يؤكد على الطبيعة التفاعلية للنشاط الديني.

وفي ضوء هذه المعطيات، يسعى الكتاب إلى تجاوز الاختزال السائد في بعض الكتابات التي تنحو نحو تفسير الحقل الديني من زاوية واحدة، سواء كانت مؤسسية أو سياسية أو ثقافية، ويدعو المؤلف إلى اعتماد منظور موسع يعلي من شأن التفاعل والتعقيد والتداخل بين الفاعلين والخطابات والسياقات، معتبرا أن هذه المقاربة هي التي تمكن من فهم حقيقي لحيوية الدين في المجال المغربي، بوصفه فضاء متحركا لا يخضع للثبات، ولا يختزل في القوالب المعيارية الجامدة.

يعد هذا العمل خطوة نوعية في مسار الدكتور أبواللوز، الذي اختار منذ العقد الثاني من الألفية الجديدة التوجه نحو تفكيك تحولات الحقل الديني في المغرب من خلال أدوات علمية نقدية، تراعي تعددية التمثلات الدينية وتشابكها، وتمنح الحركات الدينية غير المركزية (كالطرق الصوفية، الجماعات المحلية، التعبيرات الشعبية) مكانتها التحليلية الكاملة.

ولا ينفصل هذا الجهد عن مشروع فكري أوسع يسعى إلى إعادة تأسيس المعرفة بالدين من الداخل، أي من خلال مساءلة المفاهيم المستعملة في التحليل، وتفكيك تمثلات الفاعلين الدينيين أنفسهم، ومراقبة تحولاتهم داخل الحقل، دون الوقوع في فخ التماهي معهم أو الإدانة الأيديولوجية لهم.

يقدم كتاب “الإسلام المتعدد” إذن إسهاما رصينا في دراسة الدين في المغرب، عبر تحليل دقيق لمستويات الفعل الديني المتداخل، ومن خلال اعتماد مفهوم موسع للنشاط الديني ينهي الاحتكار النظري ويعيد الاعتبار للتجارب الدينية المهمشة، ويؤسس لمسار جديد في فهم التوتر بين الدولة والدين والمجتمع عبر رصد التحول، والتفاعل، والتاريخ الحي.