الإسلاميون المغاربة وأوهام الفصل بين الدعوة والسياسة

منتصر حمادة
2020-06-16T08:10:12+01:00
featuredآراء ومواقف
منتصر حمادة16 يناير 2020آخر تحديث : الثلاثاء 16 يونيو 2020 - 8:10 صباحًا
الإسلاميون المغاربة وأوهام الفصل بين الدعوة والسياسة

منتصر حمادة
بين الفينة والأخرى، تصدر بلاغات عن قيادة حركة “التوحيد الإصلاح” المغربية، باعتبارها حركة إخوانية أساساً، تفيد أن هناك توجه نحو تكريس الفصل بين العمل السياسي والعمل الدعوي، أي توجه بين إحداث قطيعة نظرية بين ما يصدر عن الحركة من جهة، وبين ما يصدر عن حزب العدالة والتنمية، على أساس أن هذا الأخير، هو الواجهة السياسية للحركة الإسلامية، أو العكس، بمعنى أن الحركة المعنية هنا، هي الواجهة الدعوية للحزب السياسي، على غرار ما نعاين مع مشروع جماعة “العدل والإحسان” المحظورة، التي تتوزع على مجلس شورى ودائرة سياسية وهياكل أخرى.
هذه البلاغات تتطلب بعض التوضيح أو التدقيق، أقله أننا إزاء شعار تروجه حركة التوحيد والإصلاح وحزب العدالة والتنمية، في سياق مواجهة الانتقادات التي توجه إلى هذا المشروع حول الجمع بين العمل الدعوي والعمل السياسي، وتأثيره في الساحة، وخاصة الساحة السياسية، لأن الخطاب الدعوي في المجتمعات المسلمة بشكل عام، خطاب مؤثر في التأثير، وبالتالي مؤثر في الاستقطاب. وأخذاً بعين الاعتبار حضور أعضاء الحركة في المؤسسات الدينية والمؤسسات التعليمية والمساجد ومنظمات المجتمع المدني، فطبيعي أن يكون خاطبهم مؤثرا في سياق استقطاب الناخبين.
يجب أن نأخذ بعين الاعتبار أيضاً، أن بعض أسباب هذه الدعاوى الموجة للاستهلاك الإعلامي والسياسي وغيره، مرتبطة بعض المستجدات المحلية والإقليمية، حيث تقتضي هذه المستجدات، اللجوء المؤقت إلى هذا الخطاب، ولكن الأمر لا يتجاوز سقف إعلان نوايا، على غرار ما عاينا في تونس مع حركة النهضة التي روجت نفس شعار الفصل بين العمل السياسي والعمل الدعوي في غضون 2017، والأمر نفسه مع المشروع الإخواني في الحالة الفرنسية، مع تغيير إسم “اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا” (وهو اتحاد محسوب على الحركة الإسلامية، في نسختها الإخوانية)، نحو “اتحاد مسلمي فرنسا”، ولو إن هذه المعضلة كرست أزمة الإسلاموية في فرنسا، لأنه لا أحد من مسلمي فرنسا، من غير الإسلاميين بالتحديد، زعم أن هذه المنظمة تمثله أمام السلطات الفرنسية.
لا يتجوز مقام هذه الدعاوى الإسلامية الحركية، مقام إعلان نوايا، لأن واقع الحال يفيد أن عملية الفصل التنظيمي ليست سهلة كما يروج قادة المشروع، بسبب عدة اعتبارات، أقلها أن المتديّن الإسلامي الحركي، في نسختها الإخوانية على الخصوص، تربى على هذا التماهي القائم منذ عقود، ولا يمكن أن نطلب منه الاشتغال على التحرر من التماهي بين ليلة وضحاها، أي إنه طيلة عقود وهو مؤمن برسالة مجتمعية، تنهل من مرجعية إسلامية حركية، تقتضي منه أن يشتغل على جميع الجبهات من أجل تفعيل وتحقيق مشروع الأسلمة، أي أسلمة المجتمع والنظام والدولة، كما سطرت ذلك أدبيات أبو الأعلى المودودي وسيد قطب وفتحي يكن واللائحة تطول، جون الحديث عن أدبيات الإسلاميين المغاربة، وفي الأخير، نطلب منه أن ينسى تلك الأدبيات لأنها لم تعد صالحة اليوم، في إطار تفعيل المراجعات، وهي مراجعات قائمة بالفعل عند جزء من أتباع المشروع، وخاصة الشباب الذي لم يطلع على الأدبيات المؤسسة لأغلب المشاريع الحركية الإسلامية، لأن عملية النهل هذه تترك أثاراً نفسية وعقلية على المعني بها، وكلما طالت مدة النهل، كلما كانت عملية المراجعة صعبة، إذا افترضنا أننا إزاء مراجعة حقيقية، تمهد لفصل صارم بين العمل الدعوي والعمل السياسي.
أما الزعم بأن هذا الخطاب الداعي إلى الفصل بين الدعوة والسياسية، قد يُفضي إلى التقليل من انتشار المشروع في الساحة، فالمسألة هنا نسبية، وبالكاد تهم بعض أتباع الحركة الإسلامية المعنية ــ أي حركة “التوحيد والإصلاح” ــ من الذين أخذوا مسافة، على غرار ما عاينا لدى جماعة “العدل والإحسان”، بعد وفاة الشيخ عبد السلام ياسين، ولكن الحركة اليوم، حاضرة ومتغلغلة في أغلب مؤسسات الدولة وخاصة المؤسسات الدينية والتعليمية، إضافة إلى العمل الجمعوي والأنشطة الثقافية والنقابية فالأحرى الأنشطة الدعوية والتربوية وغيرها، ولا يمكن الحديث عن تراجع هذا المشروع، إذا كانت باقي المشاريع الإيديولوجية المنافسة متواضعة أو غائبة.
ونفس المعطى مع ما يُسمى تأثير هذه الدعاوى على مرجعية الحزب الإسلامية، أو المرجعية الإسلامية الحركية بتعبير أدق، ولو إن المساس بمرجعية الحزب تحصيل حاصل، بسبب عدة تحولات منها، القضايا الأخلاقية، أو قضايا الفساد المالي والإداري، وهي السائدة لدى باقي الأحزاب، مع فارق أن المشروع هنا يدعي النهل من “المرجعية الإسلامية”.
ولكن موازاة مع ذلك، العمل الميداني مستمر، سواء مع الحركة أو مع الحزب، وفي جميع المستويات، الرسمية والجمعوية، في السياسة والدين والنقابة والثقافة والإعلام.. إلخ، دون الحديث عن دور الارتباطات الخارجية، من قبيل مشاركة قيادة الحركة في مؤتمر كوالامبور الأخير، رغم عدم المشاركة الرسمية للمغرب.
بقيت نقطة أخيرة، وموجهة إلى أصحاب التكهنات السياسية، على هامش اقتراب العد العكسي للاستحقاقات الانتخابية، حيث يُروج البعض بعد الدعاوى، مفادها أن الذهاب بعيداً في موضوع الفصل بين العمل السياسي والعمل الدعوي، مرده ظهور مؤشرات حول النتائج المتوقعة للانتخابات المقبلة؛ والحال أنه لا توجد أي معطيات دقيقة ومفصلية حول الانتخابات القادمة، بل إن التجربة المغربية في الاستحقاقات الانتخابية، وخاصة تجارب ما بعد “الربيع العربي”، تعلمنا أن هذه الاستحقاقات الانتخابية، رغم إنها محلية أو داخلية، ولكن هناك معطيات أو محددات إقليمية تؤثر فيها، وبالتالي لا يمكن توقع نتائج الانتخابات التشريعية القادمة منذ الآن.
أما عن موضوع استمداد قوة الحركة والحزب، فعلينا أن نأخذ بعين الاعتبار أننا لا نتحدث عن تنظيمين منفصلين، وإنما عن مشروع أو مَجَرة إسلامية حركية، تتضمن فاعلين يشتغلون في عدوة مجالات، منها المجال الدعوي والسياسي والإعلامي والنقابي والنسائي والحقوقي والطلابي.. إلخ. ويمكن التأكد من هذا التماهي القائم بين هذه المجالات أثناء الحملات الانتخابية، حيث يصبح الخطاب موحداً، ولا يمكن حينها أن نفق بين داعية ديني وداعية سياسي، لأن الخطاب موحد، بل إن الحملة الانتخابية، تعرف مشاركة وتضامن حتى باقي الإسلاميين مع الحركة والحزب، من قبيل بعض أتباع جماعة العدل والإحسان والتيار السلفي الوهابي، فالأحرى أعضاء المَجَرة ذاتها، وبالتالي، يجب أن نأخذ بعين الاعتبار هذا المعطى في معرض الحديث عما يسمى الفصل بين الدعوي والسياسي عند الحركة الإسلامية، لأنه فصل وهمي أو فصل صوري، ولا يعدو أن يكون هذا الخطاب موجهاً لمن لا يتابع طبيعة المشروع الإسلامي الحركي بشكل عام، بما في ذلك نسبة كبيرة من النخبة السياسية والفكرية والدينية والإعلامية وغيرها، أما بالنسبة للمتتبعين، وخاصة بالنسبة لأتباع المَجَرة، فهم أدرى بأن هذه الدعاوى أشبه بدعاوى مجانية، موجهة للاستهلاك الإعلامي، بشكل أو بآخر، وبعيدة عن معطيات الواقع الإسلامي الحركي.

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.