منتصر حمادة
لا مفر من بعض التدقيق أولاً قبل التوقف عند إحدى تطبيقات مشروع “الأسلمة” ذلك الذي تشتغل عليه الحركات الإسلامية في المغرب، سواء كانت إخوانية أو سلفية وهابية.
المقصود بالأسلمة هنا، أسلمة مخيال المجتمع والنخبة، أو أسلمة المجتمع والنظام والدولة، انطلاقاً مما يُصطلح عليه “المرجعية الإسلامية”، وهي في حالتنا هذه، مرجعية إسلامية حركية حصراً، إما مرجعية إخوانية، تنهل من أدبيات جماعة الإخوان المسلمين، في المشرق، أو تنهل من مرجعية سلفية وهابية، والتي أصبحت سلفيات اليوم، كما سنُعاين إحدى تفرعاتها في هذه المقالة.
هناك إشارة ثانية، وهي أن النموذج الذي نتعرض له في هذه المقالة، لا ينفصل عن مشروع أسلمة مخيال الخطاب الديني المغربي، بما في ذلك أسلمة المؤسسات الدينية المغربية، بفعل مشروع إدماج العديد من الرموز الإسلامية الحركية في المؤسسات الدينية، على أن نتطرق لهذه الجزئية الحساسة والدقيقة في مقالة لاحقة بحول الله.
بقيت إشارة ثالثة وهامة، مفادها أن هذا التركيز على “التدقيق” في طبيعة المشروع الإسلامي الحركي، هنا في المغرب، لا يُفيد إعلان العداء أو المطالبة بالاستئصال أو شيء من هذا القبيل الاختزالي، لأن هؤلاء في نهاية المطاف، أبناء هذا المجتمع وأبناء هذه الأرض الطيبة، ولكن الهدف أو قل أهداف هذا التركيز متعددة، منها المساهمة في محو أمية النخبة، فالأحرى أمية العامة، لأن نسبة كبيرة من النخبة البحثية والسياسية والإعلامية وغيرها، لا زالت خارج التغطية، دون الحديث عن نسبة ثانية لا زالت مصرة على عدم الخوض في هذه المواضيع المؤرقة، كما لو أنها لا تحمل الجنسية المغربية، أو النسبة الثالثة من النخبة ذاتها، التي تحالفت مع الإسلاموية المغربية، وطبقت الصمت، من أجل الظفر بامتيازات مادية ورمزية، وليست ظاهرة “يسار الإخوان” إلا الجزء من جبل ثلج الخاص بهذه النسبة بالذات.
من بين الأهداف أيضاً، المساهمة في مواجهة خطاب التقية أو الازدواجية الصادر عن أغلب الأقلام الإسلامية الحركية، في المجالين البحثي والإعلامي، ومن الصعب إحصاء أمثلة ميدانية في هذا الصدد، لذلك نقتصر على بضع إشارات، تأتي إما عبر تدوينات في العالم الرقمي، أو عبر هذه المقالات، ولو من باب يقترب من مقام “إبراء الذمة”.
في غضون الأيام الماضي، قام الملك محمد السادس بزيارة للمدينة العتيقة للصويرة، التي اكتست حلة جديدة بفضل البرنامج التكميلي لتأهيل وتثمين المدينة العتيقة (2019-2023)، الذي كلف استثمارات بقيمة 300 مليون درهم. والحديث عن ورش تأهيل، من المفترض أن يستفيد منه 13 ألف من سكان المدينة العتيقة.
صدر هذا الخبر في وكالة الأخبار الرسمية والمعتمدة من قبل وسائل الإعلام المحلية والأجنبية، قبل صدوره في أغلب المنابر الإعلامية، الورقية والرقمية، بما فيها موقع “هوية بريس”، التابع للمشروع السلفي الإخواني هنا في المغرب، وهم أحرار في تبني أي مرجعية إيديولوجية، دينية أو مادية، لولا أن بعض تطبيقات هذه المرجعية، تهمنا أكثر، حتى نأخذ فكرة أولية عن مآلات هذه المشاريع الشاذة عن ثقافة وهوية المغاربة، وبيان ذلك كالتالي:
في سياق الزيارة الملكية ذاتها، قام الملك محمد السادس، ولكن، كما نقرأ في قصاصة لوكالة أنباء المغرب العربي للأنباء، جاءت الزيارة باسم مؤسسة إمارة المؤمنين، وهذه جزئية هامة جداً، لا بد من استحضارها جيداً: فقد قامت المؤسسة بزيارة “بيت الذاكرة”، بالمدينة العتيقة للصويرة، وهو فضاء “تاريخي، ثقافي وروحي لحفظ الذاكرة اليهودية المغربية وتثمينها، وفريد من نوعه بجنوب البحر الأبيض المتوسط وفي العالم الإسلامي، حيث يحتضن هذا الصرح الروحي والتراثي، بعد أشغال ترميمه، كنيس “صلاة عطية” ودار الذاكرة والتاريخ “بيت الذاكرة”، والمركز الدولي للبحث حاييم وسيليا الزعفراني حول تاريخ العلاقات بين اليهودية والإسلام”.
وحسب القصاصة الإخبارية ذاتها، والتي نعتمدها مرجعاً صريحاً في هذه المقالة، فإن هذه الزيارة تعكس “العناية الخاصة التي يوليها أمير المؤمنين للموروث الثقافي والديني للطائفة اليهودية المغربية، وإرادته الراسخة في المحافظة على ثراء وتنوع المكونات الروحية للمملكة وموروثها الأصيل”.
كيف تعامل العقل السلفي الوهابي، المؤطر لمرجعية الموقع سالف الذكر، مع هذا الحدث؟
أسباب طرح هذا السؤال الغريب، مرتبطة تحديداً بالشذوذ الإعلامي لتعامل الموقع إياه، حيث من تابع مضامين أخبار الموقع (تضمنت أربعة أخبار عن تركيا أوردوغان في اليوم الموالي، على الصفحة الرئيسية للموقع)، سيخلص إلى أنه ربما الزيارة الملكية لبيت الذاكرة، كانت مجرد إشاعة، وبالتالي لم تقع، ولذلك لم يصدر أي خبر عنها، بينما نقرأ في قصاصة وكالة الأنباء التي استشهدنا بها سلفاً، العنوان التالي: “المدينة العتيقة للصويرة .. أمير المؤمنين يزور “بيت الذاكرة”، فضاء روحي وتراثي لحفظ الذاكرة اليهودية المغربية وتثمينها”، ومؤرخة في 15 يناير، 2020، وتضمن الخبر 529 كلمة بالضبط، وهي القصاصة التي على أساسها، نشرت أغلب وسائل الإعلام المحلية والأجنبية الخبر، بل إن بعضها احتفل بهذه الزيارة، لأنها تكرس الاستثناء المغربي في زمن “الفوضى الخلاقة”.
رغم كل هذه المتابعة والترويج والتنويه، لم تصدر أي كلمة حول الزيارة في الموقع، والذي ينهل من مرجعية سلفية وهابية، كانت في زمن ما، تابعة للداعية السلفي عبد الرحمن المغراوي، ولكن مباشرة بعد اندلاع أحداث “الفوضى الخلاقة”، أو “الربيع العربي”، انتقل هؤلاء إلى التحالف مع المشروع الإخواني، حتى إن الموقع لا ينشر في خانة مقالات الرأي إلا للرموز الإخوانية والسلفية الوهابية المحسوبة على هذه المرجعيات بالذات، إضافة إلى نشر أخبار رجب طيب أوردوغان كأن الموقع تابع للمشروع التركي في المنطقة [من العناوين الرئيسية ليوم الخميس 16 فبراير الجاري، نقرأ العنوان التالي: “الرئاسة التركية تدين عداء النظام الإنقلابي العاجز في مصر للإعلام التركي”، ومن يقرأ هذا العنوان في المنطقة، قد يتوهم أن الموقع تركي، هناك في إسطنبول أو أنقرة و إزمير، ولا يتوقع أن يكون الموقع مغربياً، إلا إن كانت المرجعية الإيديولوجية للموقع وأصحابه، تفسر ذلك].
من خلاصات هذه الواقعة، أنها تذكرنا ببعض أسباب قرار المنع من الترشح للانتخابات التشريعية، والصادر عن وزارة الداخلية في شتنبر 2016، ضد أحد دعاة هذا المشروع، بسبب مواقفه من الطائفة اليهودية، وفي هذه الجزئية بالذات، يبدو الموقع منسجماً مع مشروعه وأفقه النظري والميداني، أي أن يتعامل مع الزيارة الملكية للطائفة اليهودية زوال أمس بالصويرة، على أساس أنها لم تقع، أو مجرد إشاعة، والنتيجة أنه لم ينشرها أساساً.
لذلك كانت مؤسسة إمارة المؤمنين، أشبه بحصن مجتمعي، تتداخل فيه عدة محددات، ثقافية ودينية وتاريخية.. إلخ، ضد هذه الإيديولوجيات، الدينية والمادية، التي تريد تنميط هوية المغاربة.
عن موقع “الدار”
Source : https://dinpresse.net/?p=6550