د. الناجي لمين. أستاذ في دار الحديث الحسنية. الرباط
أما كونُه عصامَ العقيدة، فإنه قد سبق لنا في منشور سابق أن الإمام أبا الحسن الأشعري قال في كتاب (رسالة إلى أهل الثغر): إن الاستدلال بالجوهر والعرض على وجود الله لا يتم “إلا بعد رتب كثيرة يطول الخلاف فيها، ويدق الكلام عليها..”، وأن الاستدلال بالنصوص المجمع عليها هي الدليل الواضح الذي يثلج الصدر، ويزيل الشك عند المسلمين… ثم حَكَى الإجماع على وجود الله وصفاته الواجبة له.. وقد تقدم نَصه في ذلك في منشور سابق. ثم ذَكَر أبو الحسن أكثر من خمسين إجماعا في أصول العقيدة، وصورتُ لكم هنا بعض الصفحات، فيها شيء من هذه الإجماعات.
ولذلك لا يحتاج علماء الكلام مِن أهل السنة إلى المسالك العقلية إلا مع مَن يُنكر أدلة السمع في الاستدلال.
ولا يغرنكم ما قاله بعض علماء علم الكلام، كالجويني في التلخيص والرازي في تفسيره وغيره، مِن أن الإجماع لا تثبت به الألوهية والنبوة، فإن كلامهما وكلام غيرهما من علماء أهل السنة متنزل على إثبات العقائد على المخالف. وأما المسلمون فما عرفوا الله على الحقيقة إلا بالنصوص المجمع عليها، وما بَدعوا غيرهم إلا لأنهم خالفوا النصوص القطعية المجمع عليها. فالمُلزِم للمسلمين في العقائد هو النصوص المجمع عليها، وليس الحجج العقلية. وتفصيل هذه الجملة يكون في المنشور القادم بحول الله.
وأما كونُه عصام الشريعة فلأنه بدون لإجماع لم يبق عندنا قطعيات، بل حتى المعلوم من الدين الضرورة مبني على الإجماع. فالمعروف أن مَن أنكر مثلا عدد الصلوات المفروضة، وعدد ركعات كل صلاة يَكفُر بذلك؛ لأنه أنكر معلوما من الدين بالضرورة. وعددُ الصلوات وركعات كل منها إنما ثبت بأخبار الآحاد، ولكن المسلمين قاطبة من عهد النبوة إلى اليوم يعرفون هذه الصلوات، ويأتون بها ليل نهار.
ولأجل هذا فإن علماء الأصول عند ما يذكرون الإجماع وحجيته ينُصون على قطعيته. قال الجويني الشافعي في البرهان: “الإجماع حجة قاطعة”،
وعبارته في التلخيص: “إجماع المسلمين حجة قاطعة”.
ومثل قول الجويني قولُ الدبوسي الحنفي في تقويم الأدلة، والغزالي في المستصفى، والسمعاني في قواطع الأدلة، وعلاء الدين السمرقندي في ميزان الأصول في نتائج العقول، والأبياري المالكي في التحقيق والبيان في شرح البرهان، والآمدي في الإحكام، وابن التلمساني في كتابه شرح المعالم في أصول الفقه، والقرافي في نفائس الأصول، وابن قدامة الحنبلي في روضة الناظر، والبزدوي في كشف الأسرار.. واللائحة طويلة.
ثم يأتي شيخ في آخر الزمان، فيقول: إن الإجماع على التسليم بثبوته “ظني لا محالة”. وما هو القطعي؟! هرطقاته التي سماها قواعد المنطق؟!.
يتبع إن شاء الله.
تابع آخر الأخبار من دين بريس على نبض

