زعيم الخيرالله
أَلأُصُولِيَّةُ عندَ الغَرْبِيين تختلفُ في اشتقاقِها اللُّغَوِيِّ وفي ظُروفِ نَشْأَتِها ، عن الاصوليّةِ عندنا ؛ فالاصوليّةُ عندَهُم تعني انغلاقَ الفكرِ والتعصب والدُوغمائية وانتهاكِ حَقِّ الآخَرِ ؛ وبالتالي فهي معنىً سلبِيٌّ بغيضٌ مُدَمِّرٌ. هذهِ هي المقارَبَةُ لكلمةِ الاصوليّةِ عندهم.
أَمّا عِنْدَنا فالاصوليَّةُ لاتحملُ هذا المفهومَ السَّلبيَّ الكارِثيِّ المُدَمِّرِ بل لها مفهومُها الايجابيُّ الْبَنّاء. فالجذرُ اللُّغَويُّ للاصوليّة في لغتنا يعني الرجُوعُ الى الاصول، اي: ارجاع الظواهر الى اصولها وهو الاصلُ في كلِّ معرفةٍ، وهو مايطلقُ عليه “التأصيل”.
نحتاج في درساتنا لظواهر الطبيعة ان نرجعها الى اصولها. ماهو أَصلُ الكون؟ كيفَ نَشَأَ العالَم؟ هل اصلُ العالَم هو الانفجار العظيم؟ أم لهُ أَصلٌ اخر؟ كيفَ نَشَأَ الدينُ في حياةِ الانسان؟ وكذلك الامرُ في دراسة الظواهرِ الاجتماعية والسياسية؟ كيف نشأَ المجتمعُ ، هل المجتمعُ هو الاصلُ ، ام الفرد هو الاصل ؟ وكيف نشأت الدول؟.
هذا التأصيلُ لاتستغني عنهُ ايةُ معرفةٍ انسانيَّةٍ. وهو معنىَ ايجابي في فهمنا للظواهر الطبيعية والاجتماعية والسنن التي تحكم الاجتماع البشري. وكذلك الامرُ اذا فسرنا الاصوليّة بالعودة الى الاصول والبحث عن الهويّة، فهذا معنىً ايجابي للاصوليّة. والاصلُ في اللغة ماينى عليه غيره، والفقهاء يعتمدون منهجية رد الفروع الى اصولها.
والشيعة انقسموا الى اصوليين واخباريين على اساس الاعتماد على علم الاصول في عمليّة الاستنباط الفقهي، ورفض الاستناد الى علم الاصول والتمسك بظواهر الاخبار عند الاخباريين. والعربيُّ يهتم بعلم النسب وهو ارجاع الناس الى اصولهم القبليّة.
وتُصَنِّفُ مقولاتِ مابعد الحداثَةَ كُلَّ من يؤمنُ بمطلقاتٍ باعتباره اصوليّاً بالمعنى الغربيِّ للاصوليّةِ. مشكلةُ التظرف ليست مرتبطةً بالايمان بالمطلقات ؛ لانَّهُ يمكن ان تتعايش المطلقاتُ فيما بينها ؛ فالقُرآنُ الكريم يتحدث عن التحاور بين اصحاب المطلقات ، كمافي قوله تعالى: (ۖ قُلِ اللَّهُ ۖ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَىٰ هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ). سبأ: الاية : (24). أو قوله تعالى: (قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا). الكهف: الاية: (37).
فلامانعَ من ان يتحاور اصحاب المطلقات، وان يتعايشوا. المشكلةُ في التعصب واقصاء الآخر ناتجة من ثقافتنا وطريقة تعليمنا ومناهجنا الدراسيّة.
وفي الختام اتمنى للجميع عاماً طيباً تنتهي فيه الازمات ويحلُّ التعايش والسلام محل القطيعةِ والاقصاء والتهميش؛ فالحياةُ تَتَّسِعُ للجميعِ.
المصدر : https://dinpresse.net/?p=13045