بقلم الطالب أسامة البحري – شعبة علم الاجتماع – بني ملال
بالأنثربولوجيا تتداخل منظورات شتى للعلوم ”كالنظرة البيولوجية و الإجتماعية ” دارسة بذلك الإنسان من زاويته كعضو في المملكة الحيوانية و كذا بكونه عضوا في المجتمع، و بهذا فإن الأنثربولوجية لا تنحصر اعماله بالحقب التاريخية فقط ، فإننا نجده مثلا يدرس التطور البنائي للبشرية و نمو الحضارات من أقدم أشكالها ، وفي الحين ذاته نجده مهتما بالجماعات و الحضارات الإنسانية المعاصرة ، وبهذا فإنه يحاول قدرما استطاع في دراسته الأنثربولوجية أن يكشف لنا المعايير الفيزيقية التي تميز الجنس البشري عن باقي الكائنات الأخرى ، و تركز مثلا الدراسة المقارنة للحضارات إهتماما على أوجه الإختلاف و التشابه في الثقافات التي يمكن أن نراها ببداهة بين الجماعات البشرية التي تعمر كوكبنا و من بين النتائج لهذه الدراسات و هي أن الإنسان فريد و غاية في ذاته بوصفه كائنا عاقلا استطاع ان ينتقل من الكور الوحشي الى البربري الى الحضارة او تكوين العائلة، و لهذا فمن بين الفروع الأساسية للأنثربولوجيا نجد : الأنثربولوجيا الإجتماعية و الثقافية
الأنثربولوجيا الإجتماعية
أول بروز و ظهور بديهي للأنثربولوجيا الإجتماعية ، كما يثفق مؤرخوا العلوم كان ببريطانيا في ظل التأثير القوي للنظرية الوظيفية ”رادكليف بروان و أتباعه”، الذين ميزوا بين علم يهتم بدراسة البناء الإجتماعي و الوظيفة الإجتماعية، ثم هناك ايضا فرع آخر يدرس الثقافة ماكرو ابستيميه فيزيائيا أي وصفيا، معتمدا بذلك على التاريخ لوحده وهو الذي يعرف بالأنثربولوجيا الثقافية، ثم نجد من زاوية اخرى: الأنثربولوجيا الفيزيقية التي أصبحت الآن تعرف بالأنثربولوجيا البيولوجية والتي تهتم بجسم الإنسان، ولهذا فإذا ما عدنا إلى التعريفات الكلاسيكية للأنثربولوجيا الإجتماعية، سنجد أن هناك التقاء سميك بينها و بين علم الإجتماع ، فمثلا كان ينظر للأنثربولوجيا الإجتماعية بأنها تدرس البناء الإجتماعي للمجتمع، أي : انها تقف على العلاقات و التنظيمات و الجماعات ، و طبعا نحن نعلم ببداهة أن علم الإجتماع أقدم من الأنثربولوجيا، فعلم الإجتماع كما يتفق مؤرخوا العلوم، ابتدأ في القرن الثامن عشر مع أوغست كونت ، أما الأنثربولوجيا الإجتماعية فقد ظهرت بأواخر القرن التاسع عشر على أيدي ” مالينوفسكي” و خصوصا “رادكليف براون ”.
وبهذا فإن الأنثربولوجيا الإجتماعية لدى العديد من المؤرخين، ظهرت ببداهة مع رادكليف براون و كما اتضح من خلال ما تم تداوله عن براون، كان على استعداد تام لجعله فرعا من علم الإجتماع ، فكان يريد تسميته علم الإجتماع المقارن ، ولكن الآن بفعل التغير وتطور المجتمعات وغزو التكنلوجيا على القرى و المدن، أصبح عالم الأنثربولوجيا بنفس المشكلات القيمية التي تداهم عالم الإجتماع ، فقد نقول الآن أن عالم الأنثربولوجيا و عالم الإجتماع واحد ، فحينما نقترب مثلا من ظاهرة النمو الإقتصادي و التغير الإجتماعي ، فإننا نجد صدى الأنثربولوجيا و السوسيولوجيا حاضر مع بعضه البعض ، فلم يبقى إذن الأنثربولوجي هو ذلك الذي ينحصر بموضوع المجتمعات البدائية محاولا ان ينقل لنا كتابات اثنوغرافية ، بل أصبح الآن ينافس السوسيولوجي بشكل كبير في دراسة المجتمعات المتقدمة ، كما نلاحظ بدراسة ” المجتمع المحلي الصغير و جماعة القرابة الخ ”، ومثلا نجد أن بدول العالم الثالث لا توجد هنالك تفرقة بين السوسيولوجيا و الأنثربولوجيا ، فما نراه بدراسات دول العالم الثالث هو خط واحد يلتحم فيه علم الإجتماع و الأنثربولوجيا معا ، ومن بين المفاهيم الأساسية للأنثربولوجيا الإجتماعية نجد مثلا المفهوم المحوري هو : مفهوم البناء الإجتماعي و خصوصا مفهوم العرقية الذي سنتناوله الآن ، فما العرقية اذن ؟ وما علاقتها بديناميكية العلاقات الإجتماعية ؟
1 : العرقية
بالنهايات الأخيرة للستينيات كانت العرقية و لا تزال نقطة للدراسة بالنسبة للأنثربولوجيا الإجتماعية و الثقافية، وكما هو متعارف بتاريخ الفكر، بالأنثربولوحيا الإجتماعية مقاربات تمكننا من سبر أغوار الطرق التي يفهم بها العقول العلاقات العرقية أي: ما يميزهم في طريقة كلامهم وتفكريهم عن باقي الجماعات ، وما يجعل هذه الطريقة للكلام والتفكير محافظ عليها عبر العصور على خلاف غيرها التب تطورت، إذن فالأنثربولوجيا الإجتماعية ” من حيث إنها علم مقارن، تدرس كلا الجانبين من الإختلافات والتشابهات بين الظواهر العرقية 1″.
وهذه العرقية التي لم يعترف بها الكثير من المفكرين كأمثال ماكس فيبر ، الذي يرى بأن العرقية تتنازل في أهميتها و بالنهاية تنمحي نتيجة الحداثة والفردانية الصناعية، والتي للأسف تداولت مع أتباعه كحقيقة، ولكن تم تحطيمها مؤخرا بفعل تكذيبها بتعبير كارل بوبر ، فمثلا لنأخذ على سبيل المثال: النزاعات التي خاضها العديد من الناس بسريلانكا وفيجي مع سكان رواندا و الكونغو والبوسنة، هذه النزاعات منطقيا كما فسرت بالجرائد و ببعض الأبحاث هي نزاعات عرقية.
ويعود مفهوم العرقية إلى عالم الإجتماع الأمريكي ”ديفيد رايزمان” فقد كان أول من استعمله 1953 ، وبالستينيات أصبحت ” الجماعات العرقية ” و العرقية من المفاهيم الأساسية و المألوفة بحقل الأنثربولوجية الإجتماعية الناطقة بالإنجليزية، ومادمنا نتكلم عن العرقية فوجب علينا أيضا التكلم عن مفهوم العنصر ، و مما لا شك فيه ، التمثل الذي يكونه العقل حول مفهوم العنصر ، هو تصنيف سلبي بينما مفهوم العرق نجد أن العقل يربطه بصلة إيجابية ، بمعنى آخر ، العقل الإنساني يتصور العرقية بأنها ” النحن ” ، بينما العنصرية تميل نحو تصنيف ” الهم ”، مما يجعل العقل يفسر السلوكات و القضايا و المواقف من خلال هذا المفهوم الذي يعبر عن السلبية داخل الدماغ ، و هو العنصر و بذلك يخرج العقل إلى نتيجة أن العنصر سلبي و يجب أن يقصى.
والعكس صحيح بالنسبة لما هو متمثل بالعقل حول العرقية ، فكثيرا ما نسمع بدول العلم الثالث ” أنت ابن بلدتي ، أشم فيك رائحة أهلي ” وبهذا التمايز الخطي الذي لا يلتقي بالثقافات اللامنطقية أو العقول اللامنطقية، يمكننا القول أن هذه العرقية الذاتية ليست إيجابية كما تراها هذه العقول التي سنعيطيها درجة اللامعقولية في النظرة ، بسبب لا منطقية النظرة ، لأننا كثيرا ما سمعنا بصراع العرقيات ، كالأحداث المروعة مثلا التي وقعت بين يوغسلافيا و رواندا في التسعينيات التي تمخضت عن العرقية و ما يقع أيضا بالجماعات الهامشية ، وهنا يمكننا التسليم بأن العلاقة بين العرقية و العنصر منطقيا ، هي علاقة إلتحام ، فالجماعات العرقية مثلا بتمثلها و بذاكرتها الجماعية أصل مشترك و له صلة بالعنصر، على سبيل المثال الأمريكي الأسود الذي ينعت باسم الأمريكي ذو أصل إفريقي ، ثم نجد أيضا العرقية لجماعات دينية كالمسلمين مثلا.
السوسيو إيكولوجيا
إذا ما عدنا إلى البحوث الميدانية المبكرة التي أجريت على المجتمعات متعددة العرقيات، من طرف علماء الإجتماع الحضريين وكذلك الأنثربولوجيين الذين عرفوا باسم مدرسة شيكاغو ، على سبيل مثال ” بارك 1950 و هانيرز 1980 ”، فمن بين الإشكالات التي عارضت ”بارك و أتباعه ” في العشرينيات و الثلاثينيات ، كانت تتمثل في كيفية بقاء الجماعات العرقية متميزة في المدن الأمريكية ، بمعنى أدق كانوا مهتمين بالإستمرارية و التغير في العلاقات العرقية، فقد إعتبر ” بارك ” المدينة نسق إيكولوجي بفعل ديناميته الداخلية، وأقر بأن الفرد يمكنه أن يحقق العديد من أهدافه من خلال الشبكة العرقية ، وأن ” المجتمع هو قدر صهر ناجح قليلا أو كثيرا حيث يندمج السكان المتنوعون ، يتثاقفون ، و في النهاية يستوعبون بمعدلات مختلفة و بطرق مختلفة ، اعتمادا على مكانهم في النسقين الإقتصادي السياسي 2 ”.
وقد تكون العوامل التي تسببت في الإتصالات بين الجماعات لتحقق العرقية ، نمو السكان ، إقامة تقنيات الإتصال الحديث التي تسهل التجارة ، إدماج الجماعات الجديدة في النظام الرأسمالي لإنتاج التبادل ، التغير السياسي الذي يدمج الجماعات الجديدة في نظام سياسي واحد ، و الهجرة ، و ما دمنا ذكرنا الإجتماع بين العرقيات و جب علينا الوقوف قليلا لسبر أغوار أفكار أساسية بهذا الموضع ، فمثلا حينما يتقابل فردان للمرة الأولى فإن أولى المعلومات التي يمكن أن يجمعها أحدها عن الآخر هي ” العضوية العرقية ”، وكل عقل يحمل تمثلات حول العرقيات و بذلك يتصرف مع هذا الغير وفق التمثلات الخلفية أو الأفكار الخلفية التي قيلت حول عرقيته ، فمثلا نجد أن لدى البعض علاقات ودية و البعض علاقات عدائية و البعض علاقات طريفة، على سبيل المثال ”الكريولي” ينظر له ككسول و مرح و لا مبال، والهندي ينظر له أنه بخيل و غير أمين و دؤوب و المسلم ينظر له أنه متدين و متطرف و غير إجتماعي ، والمورشي والصيني ينظر له أنه جشع و كادح والفرانكوموريشي ينظر له أنه متعجرف و منحط و غير ديموقراطي، هذه التمثلات للعرقية ، تجاوزت حدها فأصبح هناك تمثل للذات أيضا ، كالهندي هو ذلك الحساس و المهتم بعائلته ، و الكوريوليون محب للمتعة و جباش العاطفة و ودود ، وهذه التفسيرات الماكروفيزيائية تؤثر على العقل الذي وجد بجماعة معينة والتي تحافظ على عرقيتها قدرما استطاعت..
المصدر : https://dinpresse.net/?p=12933