20 يوليو 2025 / 23:48

الآثار السلبية للإسلام السياسي على التقاليد الإسلامية

كريم محمد. باحث من مصر 

بتُّ مقتنعًا، عن دراية وبحثٍ، أنّ الإسلام السياسيّ كارثة أخلاقيّة ومعرفيّة في التقليد الإسلامي. ليس هذا الأمر وليد «مناكفة» سياسيّة، بل قناعة أخلاقيّة ومعرفيّة نابعة من اهتمامي بالإسلام، كتقليد حيّ وفعّال؛ تقليدٍ واسع من تعدديّة الأقوام والملل، وليس تعدديّة المصالح والمفاسد كما يحاول علماء «سُنّة» وفاعلون سياسيّون جهلاء أن يصوّروا هذا التقليد.

يظنّ الكثير اليوم أنّ ما يتحدثون عنه على أنّه «تقليد سنيّ» يعني شيئًا من السنة -كتقليد وتراث- كما نشأ هذا المعجم وهذا المصطلح. نحن نعرف أن تعريفات السنيّ وغير السنيّ نشأت أوّل ما نشأت لتمايُز سياسيّ، ثمّ راح الأمر منخرطًا في العقائد والسلوك مكونًا اجتماعات بشريّة وفاعلين وأفكارًا ترسّخت بوصفها «سنّة» بالمعنى الواسع للكلمة.

الإسلام المعاصر هو ليس وليد هذا التقليد. الإسلام السياسي ليس «إسلاميًا» بهذا المعنى. لأنّه، ببساطة، مغلق وغير حيّ وعقابي.

رأيتُ في الأيام الماضية أكثر من صديق يستخدمون لغة طائفيّة: بالتحديد، يطيّفون الطوائف، وكأنّ وجود طوائف يعني وجود طائفيّة، أو يعني وجود «تطييف». في الحقيقة، الجماعة الإسلاميّة بالمعنى التقليديّ كانت غنيّة بالطوائف، والطوائف شأن المجتمعات البشريّة كافة، ولكن التطييف والطائفيّة هما السياسيان، وهما المشكلة، لا الطوائف بما هي طوائف.

أودّ أن أوضح أنّ هذا ليس بكيل مديح لتقليد سني «نقي»، مقابل إسلام معاصر هو نسخة «مشوهة» منه. لا. الإسلام السياسيّ المعاصر ليس أصلًا امتدادًا لهذا التقليد، وإذا كنّا جادين فعلًا فهو أن نميّز بين السنة -كجماعة حية وبشريّة- وبين من يدعون أنهم «السنة» على مستوى التمثيل السياسي.

وبالتالي، حين نفهم هذه الفرضيّة، فإن د.اعش والقاعدة والإخوان المسلمين حتى (مع ضرورة التمييز) هم لا يمثلون التقليد، بل نوع من الاستبداديّة الحديثة المتسمة بالتقليد الذي يُنفى، في استعادته على أيديهم، عنه كل تحركه التاريخيّ الحيّ والخطابيّ والفعال.

ومن ثمّ، الدعوة إلى الخروج من التقليد السنيّ لا معنى لها. داعش، بالمناسبة، خارجة عن التقليد السنيّ وتقتل الآخرين لأنهم ليس سنة «بما يكفي». وعليه، فليس الحل هذا، بل الحل هو القطيعة مع الإسلامات السياسية المعاصرة برمّتها، فكرًا ومضمونًا.

لستُ متفقًا مع أساتذة وباحثين كبار بأنّ الإسلام المعاصر «فجّر» الإسلام من داخله. أتفهّم كلامهم على المستوى السياسيّ، لكن على المستوى التاريخيّ والمعرفي، فلا.

الإسلام هو ليس دين دولة ولا دين أفراد منبتي الصلة. هو دين اجتماعيّ، تكوين مجتمعات حية كسلطة (authority) خطابيّة. الإسلام في جوهره، وكما أفهمه، حياته في الاجتماع لا في السياسة، لأنّ الإسلام السياسيّ المعاصر يدعي أنه ليس علمانيًا لأنه يريد أن يدخل الإسلام في السياسة، في حين أنّه يقوم بفعل علمانيّ؛ أي يخضع الإسلام للدولة، وبالتالي يخلق النماذج المشوهة التي نرى، التي تحتكر «لا إله إلا الله محمد رسول الله» على نحو عقابي، لمعاقبة كلّ آخر؛ بدءًا من الرفاق في التقليد نفسه فضلًا عن غيرهم.

البنية الخطابيّة العقابية للإسلام السياسيّ لا تنتج مجتمعًا، يكون فيه الإسلام تقليدًا، بل يغدو فيه الإسلام نسخة عجيبة من كلام لا معنى له. الأعجب والأغرب أن هناك كثيرًا من السنة تماهوا مع الإسلام السياسيّ السلطويّ على أنه تمثيلهم. لذلك، فالنقاش يبدأ من السياسة. من جوهر الحيويّ إلى الهوياتيّ لا العكس.