28 أغسطس 2025 / 07:22

اغتيال “الصندوق الأسود”: ضربة استراتيجية لتنظيم القاعدة في اليمن

دين بريس ـ سعيد الزياني
عرفت محافظة مأرب يوم الثلاثاء الماضي تطورا أمنيا بارزا بعد اغتيال القيادي البارز في تنظيم القاعدة “عبد الواسع الصنعاني”، الملقب بـ”الصندوق الأسود”، على يد مسلحين مجهولين بوادي عبيدة شرق المحافظة، وفق ما أفادت به مصادر إعلامية يمنية.

ويمكن أن يكون مقتل “الصندوق الأسود” لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب، محطة فارقة في مسار المواجهة مع هذا التنظيم الذي يتخذ من اليمن أحد أبرز معاقله، فالصنعاني كان أحد العقول الأمنية والتنظيمية التي لعبت دورا محوريا في إدارة الملفات الحساسة، وتأمين قنوات الاتصال، وضبط الشبكات الميدانية، وهو ما جعله بمثابة مستودع حي لأسرار التنظيم وخططه المستقبلية.

واغتياله على هذا النحو، وفي منطقة وادي عبيدة بمأرب التي كثيرا ما اعتُبرت معقلا حصينا للقاعدة، يحمل في طياته أبعادا استراتيجية تتجاوز حادثة الاستهداف الفردي.

وتكمن أهمية هذا الاغتيال في أنه يعكس قدرة خصوم التنظيم، سواء كانوا أطرافا محلية أو جهات إقليمية ودولية، على اختراق البيئة الأمنية المحيطة بقياداته، فتنفيذ العملية في عمق منطقة نفوذ التنظيم يوحي بوجود اختراق استخباراتي أو تعاون ظرفي من محيط قبلي كان يوفر له الحماية، أو على الأقل نوعا من الرصد الدقيق لمساراته وحركته.

وهذا ما يفتح الباب أمام احتمالات متعددة، أبرزها أن التنظيم يواجه تراجعا في مستوى تأمينه الداخلي، أو أن معادلات الولاء في المناطق القبلية بدأت تتغير بفعل الضغوط الاقتصادية والسياسية والعسكرية.

إن مقتل الصنعاني لا يمكن عزله عن سلسلة الاغتيالات التي طالت كوادر وقيادات بارزة للتنظيم في مأرب خلال الأشهر الأخيرة، ما بين عمليات نوعية على الأرض وضربات جوية مركزة، هذه الوتيرة المتصاعدة توحي بأن التنظيم فقد جزء مهما من منظومته الأمنية التي كانت قادرة على تقليل الخسائر النوعية في السابق.

من الناحية التنظيمية، من المتوقع أن يؤدي غياب شخصية بمكانة الصنعاني إلى خلخلة التوازن بين الجناحين العسكري والأمني للتنظيم، وربما إلى بروز صراعات داخلية حول من يتولى زمام الملفات الحساسة.

وعلى المدى القريب، سيحاول التنظيم سد هذه الفجوة عبر تدوير كوادر الظل ودفع شخصيات أقل شهرة إلى الواجهة، لكن هذا الخيار سيظل محفوفا بالمخاطر، لكون هؤلاء يفتقرون غالبا إلى نفس الخبرة والشرعية داخل البنية التنظيمية لدى الصنعاني، وفي الوقت ذاته، سيضطر التنظيم إلى تشديد إجراءاته الأمنية، وهو ما قد يبطئ من سرعة اتخاذ القرار الميداني، ويؤثر على كفاءته العملياتية.

أما على المستوى الميداني، فمن المرجح أن يسعى التنظيم إلى الرد بشكل انتقامي، سواء ضد القوات الحكومية اليمنية أو ضد مصالح إقليمية ودولية في المنطقة، وذلك لاستعادة زمام المبادرة ورفع معنويات عناصره، علما أنه سبق أن أعقب اغتيال قادته الكبار موجات من الهجمات الانتقامية.

ويمكن التقدير أنه في المرحلة الراهنة وأمام تكرار الاستهدافات في فترة وجيزة قد يُقيد قدرة التنظيم على التخطيط لعمليات نوعية، ويجعله أكثر ميلا إلى هجمات متفرقة أو أقل تعقيدا.

إن القراءة الأوسع لهذا الاغتيال تكشف أن تنظيم القاعدة في اليمن يواجه اليوم ضغوطا مركبة: تفكك في الحاضنة المحلية بفعل تبدل الولاءات، إنهاك في سلسلة القيادة بفعل حرب استنزاف ممنهجة، وتنافس مع جماعات متطرفة أخرى على مساحات النفوذ.

وتدفع هذه الضغوط، مجتمعة، التنظيم نحو وضع دفاعي أكثر منه هجومي، وتجعل من الصعب عليه استعادة مستوى الفاعلية الذي ميزه في العقد الماضي، إضافة إلى أن تراكم الضربات في وقت قصير يترك آثارا بنيوية عميقة قد يصعب تجاوزها بسهولة.

يمكن اعتبار مقتل عبد الواسع الصنعاني إشارة إلى تحول في موازين القوة داخل اليمن، وإذا ما استطاع خصوم التنظيم الحفاظ على نسق الاستهداف وضرب قياداته الأمنية واللوجستية، فإن ذلك قد يقود إلى مزيد من التشرذم الداخلي وفقدان القدرة على التخطيط الاستراتيجي.

وبالتالي، فاغتيال “الصندوق الأسود” يمثل علامة فارقة في المسار الطويل للصراع مع القاعدة في اليمن، ويؤشر إلى مرحلة جديدة يتحدد مداها بما ستسفر عنه الأشهر المقبلة من تفاعلات ميدانية وأمنية.