اعتراف متأخر في حق محمد عزيز الحبابي مؤسس الدرس الفلسفي في المغرب

دينبريس
تقارير
دينبريس5 مارس 2025آخر تحديث : الأربعاء 5 مارس 2025 - 12:03 مساءً
اعتراف متأخر في حق محمد عزيز الحبابي مؤسس الدرس الفلسفي في المغرب

منتصر حمادة
كانت قاسية نوعاً ما، الأستاذة والباحثة فاطمة الجامعي الحبابي، رئيسة مؤسسة تعنى بفكر محمد عزيز الحبابي، وأرملة الفيلسوف الراحل، وهي أيضاً المسؤولة عن ترجمة بعض أعماله، عندما أدلت بتصريحات نقدية ضد العديد من رموز الساحة الفكرية المغربية، دون أن تحدد اسما معيناً أو غيره، على هامش حوار أجراه معها أحد المواقع الرقمية في الساحة.

ومرد ذلك، أنها على ما يبدو كانت في حالة غليان أو سخط من واقع لا يرتفع، أو مرض سلوكي لدى النخبة الفكرية المغربية على الخصوص، عنوانه غياب ثقافة الاعتراف، أو قل تواضع هذه الثقافة في الساحة، وعندما نأخذ بعين الاعتبار أن الأمر يتعلق بمؤسس الدرس الفلسفي في المغرب، الفقيد محمد عزيز الحبابي، ورائد الاشتغال على النزعة الإنسانية في المنطقة، على الأقل في المغرب العربي، فطبيعي أن نتفهم بعض أسباب هذه القسوة.

الحبابي فيلسوف وروائي وشاعر، ألّف باللغتين العربية والفرنسية، واشتهر في الساحة العربية والإسلامية بدفاعه وترويجه أطروحة “الشخصانية الإسلامية”، والتي تعد إحدى لبنان مشروعه العلمي الذي ينتصر فيه للنزعة الإنسانية في نسختها الإسلامية، حيث ركّز في مؤلفاته الفلسفية على الاتحاد الفكري الإنساني للعالمين العربي والإسلامي من جهة والغربي من جهة أخرى. درس في جامعة السوربون العريقة، وحصل فيها على الدكتوراة في الفلسفة.

ثم أصبح أستاذا للفلسفة في كلية الآداب بجامعة محمد الخامس في الرباط فعميدًا لها، ولأنه مؤسس الدرس الفلسفي المغرب، فطبيعي أن تكون أعماله أكثر ترجمة لباقي اللغات، حيث تُرجم بعضها إلى أكثر من 30 لغة، ولهذا يُعتبر أحد رموز التأليف الفلسفي الإبداعي في المنطقة العربية، بل إنه أول مفكر عربي رُشح لجائزة نوبل، وهذا ترشيح غائب اليوم في المغرب والمنطقة، بسبب قلة المرشحين وتواضع التأليف.

ما دمنا نتحدث عن غياب ثقافة الاعتراف، نترك الكلمة لزوجته، فاطمة الجامعي، وترى أن وفاة الفقيد في 1993، أي منذ ربع قرن تقريباً، ومع ذلك، لا زال التجاهل مصير أغلب أقلام الساحة، الوازنة وغيرها، رغم أن “فكر الحبابي ليس مغاربياً، بل عالميّ إنساني كوني..

ولا داعي لذكر أسماء أساتذة الفلسفة الذين عملوا بكل جهدهم على إقبار اسمه، وفي الأخير فشلوا، وقد كانوا أصدقاءه وطلابه”، مضيفة أننا “في حاجة اليوم إلى فكر محمدي إصلاحي، يسمو فوق فكر الحبابي، ويسمو فوق المناهج والتيارات الغربية الفكرية والسياسية”، “إن في المغرب أناساً في الخفاء يعملون من أجل ذلك في هدوء وصمت، وبوعي، ر. والحبابي سيكون شعبة أو سبيلا من هذه السُّبُل، وهو أستاذي وشريك حياتي وأب ابني، ولكن “الحق فوقك يا أمي”، فإن الفكر المحمّدي أعلى من كل فكر”.

عدد الأسماء المغربية التي اشتغلت على التعريف بأعمال الحبابي خلال الآونة الأخيرة، لا يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة، ونخص بالذكر محمد وقيدي، من خلال كتابه الصادر تحت عنوان بعنوان “محمد عزيز الحبابي الفيلسوف والإنسان”، ومحمد مصطفى القباج من خلال كتاب يحمل عنوان “محمد عزيز الحبابي، الفكر المتحرك”، وأخيراً، يوسف بن عدي، مع كتابه الموسوم بعنوان “محمد عزيز الحبابي وتأسيس الفلسفة الشخصانيَّة الواقعيَّة”.

موازاة مع هذه الأعمال، نعاين انخراط مراكز بحثية خليجية (إماراتية وقطرية) في نشر أعمال جماعية عن الراحل، مقابل صمت المراكز البحثية المغربية، وهذه لوحدها إشارة تلخص واقع الاعتراف في الساحة الفكرية المغربية والمغاربية، والملاحظة أن أغلب المشاركين في تلك الأعمال الجماعية الصادرة عن المراكز البحثية الخليجية، هم مغاربة.

ليس هذا وحسب، فقد أعادت دار نشر فرنسية منذ بضع سنين، طبع أحد أعمال الراحل، وأشهرها (إلى جانبه كتابه عن الحريات والتحرر)، والحديث عن كتابه أو أطروحته “الشخصانية الإسلامية”، الذي صدرت طبعته الأولى عام 1964، مع إشارة دقيقة توقف عندها الباحث رشيد بوطيب، مفادها أنه تمّ “تغيير العنوان الأصلي بعنوان آخر هو “الشخص في الإسلام: الحرية والشهادة”، كما لو أن الناشر لم يُرد ربط أفق انتظار القارئ بمدرسة “الشخصانية” التي انقطع ذكرها في السياق الفلسفي الفرنسي”.

كان الراحل من نقاد المرجعية الرأسمالية، معتبراً أنها “لم تقدم حلولاً لتجنب الأزمات، عيبها الأكبر هو المزاحمة الجنونية التي كثيراً ما انتهت بنشوب حرب، أو سحق شعوب برمتها للاستعمار والاستغلال. وهنا يكمن أساس الأزمة الراهنة. ومما يبعث على القلق، أنه قد ينتاب إنسانية اليوم (وقد دخلت العهد النووي) جنون التسابق والمزاحمة أكثر من دافع الحماسة.

يدل على ذلك أن الولايات المتحدة، التي تعد طليعة في هذا الميدان، تعتقد أن الحرب وحدها هي الكفيلة بالقضاء على مشكلة البطالة التي لم يستطع برنامج روزڤلت أن يحلها. فالولايات المتحدة تعلم، أيضاً، أن هذا الخطر محقق حتماً، إذا عمّ السلام، لأن التقدم التقني يعمل على مضاعفة المصانع الحربية”.

ساهم الحبابي في التعريف بأعمال هنري برغسون، مستغلاً بشكل إيجابي هذه المهمة للتعريف وتأسيس ما يُشبه فلسفة قائمة على نزعة إنسية إسلامية، تنطلق من معطيات الشخصية.

نترك مسك الختام لمحمد وقيدي، باعتباره أحد المنتصرين لأخلاق الاعتراف في تعامله مع أعمال الحبابي، حيث اعتبر في كتابه سالف الذكر، أنه “من حظ الفلسفة في المغرب أنها بدأت بهذا المبدع الذي أبدع في عدد من الميادين في نفس الوقت. فهو معروف كفيلسوف ولكنه كان أيضاً شاعراً يكتب الشعر باللغة الفرنسية وأول دواوينه: “بؤس وضياء” الذي كانت الأميرة عائشة قد قدمته له”.

ويضيف وقيدي أن الحبابي “كان إنساناً بالمعنى التام للعبارة وكان يعامل طلبته جميعاً كأصدقاء إذ أنه أدمج المبدعين منهم ضمن اتحاد كتاب المغرب مثل محمد زفزاف، وربيع مبارك، ومحمد الشوفاني وغيرهم، وكان يشجعهم على الاستمرار في ابداعاتهم. وقد عاينا صداقته لبعض الطلبة من أمثال طه عبد الرحمان وعبد الحميد المرسلي وغيرهم حيث شملنا شخصياً، مع الزمن، تعاطفه الصداقي لأننا كنا نزوره في كل مرة دخل فيها إلى المستشفى، ومنها أننا حضرنا معه في مستشفى بباريس في ذلك الوقت حيث كنا نقيم في نفس المدينة. لذلك فإن الدراسات التي يمكن أن تكتب حول الحبابي ينبغي أن تتعلق بجميع نشاطاته الإبداعية وقد تحقق بعض منها”.

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.