9 سبتمبر 2025 / 15:39

استقلال القبائل مناورة سياسية أم بداية الانفصال؟

عبده حقي
عاد ملف منطقة القبائل إلى واجهة الأحداث السياسية مجدداً بعد إعلان رئيس ما يُعرف بـ”حكومة القبائل” في المنفى فرحات مهني ، عزمه إعلان استقلال منطقته خلال شهر ديسمبر القادم.

ورغم أن مثل هذه التصريحات ليست الأولى من نوعها، فإن توقيتها في ظل الأوضاع الراهنة بالجزائر يفتح الباب على تساؤلات أعمق حول مغزى هذه الخطوة وحدود تأثيرها.

تشهد الجزائر منذ سنوات أزمات مركبة: اقتصاد هش يعاني من تبعية مفرطة للنفط والغاز، تراجع في الاحتياطات المالية، وتوترات اجتماعية تتجلى في احتجاجات متكررة وارتفاع نسب البطالة.

إن مثل هذه الأوضاع تغذي شعوراً متنامياً بالتهميش في بعض المناطق، وعلى رأسها منطقة القبائل ذات الأغلبية الأمازيغية.

حركة “الماك” (الحركة من أجل تقرير مصير منطقة القبائل)، التي تأسست مطلع الألفية الثالثة، جعلت من خطاب الانفصال شعارها الأساسي، والسلطات الجزائرية بدورها صنّفتها تنظيماً “إرهابياً”، في محاولة لنزع الشرعية عن أي مسعى لتدويل القضيةK غير أن إعلان “الاستقلال” المرتقب، حتى وإن كان رمزياً، يضع الدولة أمام تحدٍ جديد قد يضاعف كثيرا من هشاشتها.

لا يمكن قراءة هذا التطور بمعزل عن التوازنات في منطقة المغرب الكبير، فبينما ينجح المغرب في ترسيخ مشروعه التنموي بالصحراء عبر دعم دولي متزايد، تجد الجزائر نفسها محاصرة بتحديات الداخل وتشتت الموارد على ملفات خارجية كملف الصحراء.

إن إعلان استقلال القبائل يسلّط الضوء على مفارقة هامة للغاية: دولة ترفع شعار “حق الشعوب في تقرير المصير” في الصحراء المغربية، لكنها ترفض خطاباً مشابها في قلب ترابها.

إقليمياً، يهدد أي تصعيد في هذا الملف بفتح جبهة جديدة قد تؤثر على الاستقرار الأمني لشمال إفريقيا، خاصة إذا حاولت أطراف دولية أو إقليمية استثمار القضية كورقة ضغط في صراعات النفوذ.

إعلان “حكومة القبائل” في الخارج يهدف بالدرجة الأولى إلى كسب تعاطف الرأي العام الدولي وتدويل القضية، غير أن غياب اعتراف رسمي من أي دولة حتى الآن، يحدّ من فرص تحولها إلى كيان معترف به. مع ذلك، يكفي أن تثير هذه الخطوة نقاشاً إعلامياً ودبلوماسياً قد يحرج النظام الجزائري ويكشف تناقضاته.

يبقى السؤال الأساسي: هل يمتلك هذا الإعلان القدرة على تغيير موازين القوى في الداخل الجزائري؟

على الأرجح، يظل الأمر رمزياً، أشبه بصرخة احتجاج أكثر منه مشروعاً قابلاً للتنفيذ، فالسلطة المركزية ما زالت تسيطر أمنياً، والمعارضة الداخلية لم تنجح بعد في توحيد صفوفها حول بديل سياسي متماسك.

ومع ذلك، لا يمكن الاستهانة بتأثير هذه الرمزية على المدى البعيد. حيث قد تتحول إلى ورقة سياسية ضاغطة تستحضرها الأجيال المقبلة، أو إلى أداة في يد أطراف خارجية توظفها ضمن لعبة التوازنات الجيوسياسية.

إن إعلان استقلال القبائل المزمع في ديسمبر المقبل يكشف حجم المأزق الذي تعيشه الجزائر بين خطاب رسمي يرفض أي مساس بوحدة البلاد، وواقع داخلي يغلي بأزمات سياسية واقتصادية واجتماعية على حافة الانفجار.
وبينما يتساءل البعض إن كان الأمر مجرد مناورة إعلامية، يرى آخرون أنه ناقوس خطر ينذر بإمكانية تشظي الدولة إذا استمرت في تجاهل أصوات الهامش.