مصطفى الحسناوي
أتابع بأسى وأسف، ردود فعل بعض الإسلاميين، خاصة السلفيين، على التعديلات النهائية لمدونة الأسرة، التي أصبحت أمرًا واقعًا، بعد مرورها بمراحل عديدة، تحت رعاية وإشراف ومباركة الملك.
شعوري بالأسى والأسف، ليس مرده لمواقفهم الرافضة والمنتقدة والهجومية… فهذا حقهم الذي لا ينبغي لأحد محاسبتهم عليه.
شعوري بالأسى والأسف، لطريقة اشتغال هذا التيار، وطريقة تعاطيه مع الواقع الذي يعيشه، والذي لا يزال لم يفهمه بعد، ولم يفهم آلياته وميكانيزماته.
أقرأ التدوينات والتعليقات والهاشتاغات والتحريضات والفتاوى… فتعود بي الذكريات لثلاثين سنة مضت، نفس الانفعالات ونفس ردود الفعل ونفس الفهم والتعاطي مع الواقع.
لذلك ارتأيت أن أذكر الإخوة بالمراحل والمحطات، التي مرت بها هذه التعديلات، والفرص التي كانت متاحة في كل مرحلة ومحطة، من أجل التأثير والتعديل والتغيير والاقتراح والضغط… من داخل مطابخ ومختبرات التغيير، وفي الوقت المناسب، وبالآليات المتفق عليها، الفعالة والمضمونة، وليس عن طريق الهاشتاغات والتدوينات، بعد أن قُضي الأمر.
لقد كان الملك هو من دعا في خطاب له، لتعديل مدونة الأسرة، قبل سنتين ونصف، وليس يوم أمس.
♦️ فأين كنتم خلال سنتين ونصف كاملة؟؟
بعد شهرين من خطابه، وجه الملك رسالة لرئيس الحكومة، للاشتغال على التعديلات بشكل جماعي ومشترك، بمشاركة وزارة العدل والمجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة، والمجلس العلمي الأعلى، والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، والسلطة الحكومية المكلفة بالتضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة، وهيئات المجتمع المدني والباحثين والمختصين.
♦️ فلماذا لا تتواجدون في هذه الهيئات والمؤسسات؟
بدأت الهيئة المكلفة بمراجعة المدونة، بعقد اجتماعاتها ابتداءً من نهاية شتنبر 2023، من أجل تدارس الترتيبات، وأيضًا من أجل الاتفاق على وضع منهجية عمل، وعقدت لذلك أكثر من اجتماع.
♦️ فأين كنتم ولماذا لم تتحركوا بشكل قانوني مؤسس ومنظم؟
منذ فاتح نونبر 2023 بدأت الهيئة بالاستماع للمقترحات، وعقدت لأجل ذلك 130 جلسة استماع.
♦️ فأين كنتم من كل هذه الجلسات، وأين تأثيركم ودوركم واتصالاتكم وعلاقاتكم وأين ترافعكم؟
ليس هذا فقط بل استقبلت الهيئة المكلفة، آراء ومقترحات 14 مؤسسة وطنية، وحوالي 1240 جمعية، و27 حزبًا سياسيًا، و6 نقابات، و8 منظمات حقوقية، و9 هيئات مهنية، و13 مركزًا بحثيًا، وعشرات الخبراء والباحثين…
♦️ فذنب من إذا لم تكونوا متواجدين ضمن المؤسسات الوطنية، ولا مؤثرين في من يتواجد فيها، ولا أثر لكم ضمن 1240 جمعية، ولا في أحزاب ولا نقابات ولا هيئات مهنية أو مراكز بحثية، بل حتى كخبراء وباحثين أفرادًا مستقلين، لم تفعلوا شيئًا ذا قيمة.
ليس هذا فقط، بل كانت الفرصة لا تزال أمامكم، فقبل سنة من اليوم، أعلنت الهيئة عن إمكانية الإدلاء بمذكرات مكتوبة عبر المنصة الإلكترونية الموضوعة رهن إشارة العموم.
♦️ فهل نزلتم بثقلكم، وأغرقتم تلك المنصة بالمقترحات والملاحظات؟
تخيلوا كل هذه المحطات والمراحل والفرص، والمنافذ والأبواب، التي يمكنكم الدخول منها برأسكم مرفوعة، الدخول للمطبخ الداخلي والمشاركة بكثافة، والتأثير بشكل قانوني فعال ومضمون، ومراقبة كيف تتم الأمور، ومتابعتها عن كثب.
لكنكم فضلتم التفرج والانتظار، لأن غالبيتكم في الحقيقة، لا يحسن عملاً قانونيًا ولا مؤسساتيًا ولا مدنيًا ولا سياسيًا ولا حقوقيًا… أو يرى ذلك كفرًا وشركًا وبدعة وفسقًا ورجسًا من عمل الشيطان، وكذلك لأن هذا العمل يحتاج لتكوين وفهم وصبر وطول نفس…
فلماذا ستكلفون أنفسكم هذا العناء وهذه المشقة، طالما أن الطريقة الشعبوية هي الأسهل، حتى لو لم تعط أية نتيجة.
ستنتظرون إلى أن تقع الفأس في الرأس، ثم ستخرجون للبكائيات والكربلائيات، وترددون خطاب المظلومية والمؤامرة، وأن الغرب والصليبية والصهيونية، هي التي ضغطت على الملك وأرغمته على تعديل المدونة، ثم تمارسون المعارضة الافتراضية الفيسبوكية واليوتوبية.
رغم أن مسار التعديلات واضح وشفاف، من بدايته إلى نهايته، فيه مؤسسات مغربية وجمعيات وأحزاب ونقابات وهيئات وشخصيات… مغربية.
قبل حوالي تسعة أشهر، أعلن رئيس الحكومة عن انتهاء عمل الهيئة بعد تسلم تقريرها.
وأول أمس ترأس الملك محمد السادس، جلسة عمل خاصة بالموضوع، بعد أن كان له الرأي النهائي فيها، ولكنه كلف رئيس الحكومة والوزراء بإبلاغ الرأي العام بالتعديلات، التي لن يتم تطبيقها إلا بعد أن تبلورها وتصيغها الحكومة في مبادرة تشريعية.
بمعنى أن العملية برمتها، والمدونة بشكلها النهائي، من الخطاب الملكي في يوليوز 2022، وإلى أن تصبح قابلة للتطبيق، ستأخذ حوالي ثلاث سنوات، وتكون قد مرت على الملك وكل المؤسسات والهيئات والجمعيات المختصة.
فهل بعد هذا تعتقدون أن التأثير على عمل كهذا، سيتم بهاشتاغات وتدوينات وفتاوى فيسبوكية؟؟
أنا فعلاً حزين جدًا، على شريحة من مجتمعي، تفكر بهذه السلبية، وآلاف من شباب بلدي، يتم التلاعب بمشاعرهم، عن طريق الشحن والتحريض السلبي، الذي لا يؤدي لأي نتيجة، عوض توجيههم، للطرق الفعالة في التأثير الإيجابي.
بالنسبة لعامة المغاربة الذين يعترضون، وهم ليسوا سلفيين، أنا استثنيتهم لسببين:
الأول أنهم يتبعون ويقلدون السلفيين، ويتأثرون بخطابهم على مواقع التواصل.
الثاني أنهم ليسوا تيارًا إصلاحيًا، هم مجرد أفراد متناثرين، لا يمكن أن أطالبهم بالتواجد في مواقع ومراكز التأثير، بخلاف من وجهت لهم الخطاب، ممن يقدمون أنفسهم أنهم مصلحون ومعارضون يتدافعون مع الباطل.
ـــــــــــــ
المصدر: صفحة الكاتب على فيسبوك:
المصدر : https://dinpresse.net/?p=22299