ثريا ذاكر
صدر للباحث المغربي عبد الحق الكواني كتاب جديد بعنوان “أحكام النوازل الفقهية للمسلمين بأوروبا”، وهو حسب ما أكده في مقدمته كتابه، بحث تقدم به لنيل شهادة الدكتوراه من قسم الدراسات الإسلامية بجامعة ابن زهر أكادير، بعنوان: “النوازل الفقهية للمسلمين بأوربا تأصيلا وتنزيلا” تحت إشراف الدكتور عبد الله البخاري.
أكد الكاتب أن هناك مجموعة من الأسباب التي دفعته للاشتغال على الموضوع، ومنها، الإسهام في سد الفراغ العلمي والبحثي في قضايا المسلمين بأوربا، وذلك بتقديم دراسة تمزج بين التنظير والتطبيع في مواضيع جد مرطبة ومعقدة، إشاعة خاب علمي هادئ ورصين يعالج قضايا المسلمين بأوربا بمقاربة شمولية تراعي تنزيل النصوص الشرعية على الواقع المعيش، العناية بهموم المسلمين في أوربا، والسعي لربطهم في هذه الديار بأحكام الشريعة الغراء في كافة شؤونهم، تحقيقا للتوازن الاجتماعي في هذه البلاد، محاولة إيجاد تسوية منطقية للعلاقة بين الفقه الإسلامي والسياق الأوربي، تساهم في صياغة ممارسة إسلامية مناسبة للواقع، وتسعى إلى تعميق روح الاندماج والتعايش مع الآخر، كشف الخلط الذي وقعت فيه بعض المدارس والمناهج في معالجة قضايا الحضور الإسلامي بأوربا، وإيجاد أحكام شرعية متوازنة ومناسبة مدعومة بالدليل الشرعي، متجردة من الهوى والتمييع، أو التشديد والتضييق.
وهكذا خصص الفصل من الكتاب لموضوع النوازل الفقهية الناتجة عن الإكراهات القانونية في القضايا الأسرية، من حيث الإنشاء والإنهاء، وللنوازل الفقهية لمدارسة النوازل الفقهية الناتجة عن الإكراهات القانونية بالمؤسسات الأوربية، وللنوازل الفقهية الناتجة عن الإكراهات الواقعية والإجتماعية.
بعد العرض المفصل لهذه النوازل ختمت البحث بخاتمة جامعة خصصتها لاستنتاج أهم نتائج البحث، ووضعت آخر البحث ملاحق لبعض الوثائق الإدارية وبعض العقود التي ذكرت فيه.
وأصل هذا الكتاب بحث تقدمت به لنيل شهادة الدكتوراه من قسم الدراسات الإسلامية بجامعة ابن زهر أكادير بعنوان: “النوازل الفقهية للمسلمين بأوروبا – تأصيلا وتنزيلا -” تحت إشراف فضيلة الشيخ الدكتور عبد الله البخاري حفظه الله ورعاه. وقد غيّر الكاتب عنوان البحث إلى “أحكام النوازل الفقهية للمسلمين بأوروبا، وذلك بناء على طلب أحد أعضاء المناقشة، كما حذف ما يُشترط في مقدمات الدراسات الجامعية من ذكر لأسباب اختيار موضوع الدراسة وأهميتها وأهدافها، وإشكالية الموضوع وحدوده وجرد الدراسات والبحوث السابقة في الموضوع وبيان لمنهج الدراسة. كما حذف فصلا كاملا من الباب الثاني في الشق النظري والذي كنتُ قد عنونته بـ”فقه المسلمين بأوروبا: الأصول المؤسسة والقواعد الضابطة والمناهج الحاكمة، لأنه فضل تخصيص جزئية مناهج الفتيا الحاكمة في النوازل الفقهية للمسلمين بأوروبا بكتاب خاص أوسع فيه دراسة ما يتعلق بالفتوى في هذا السياق.
بالنسبة لمفهوم النوازل، فهناك عدة تعريفات متداولة حوله، منها الوقائع الجديدة التي لم يسبق فيها نص أو اجتهاد عمن سبق؛ وفي ذلك يقول الإمام مالك رضي الله عنه: “أدركت هذا البلد وما عندهم إلا الكتاب والسنة فإذا نزلت نازلة جمع الأمير لها من حضر من العلماء فيما اتفقوا عليه أنفذه”؛ أو قول ابن عبد البر وهو يتحدث عن المنهج الواجب اتباعه في استنباط حكم النوازل: “وفيه دليل على أن الإمام والحاكم إذا نزلت به نازلة لا أصل لها في الكتاب ولا في السنة كان عليه أن يجمع العلماء وذوي الرأي ویشاورهم”.
ومن نتائج وخلاصات الكتاب، ذكر الكاتب ضرورة تجاوز مصطلح الأقليات المسلمة ومصطلح فقه الأقليات وذلك لما يترتب عنها من إشكالات وما يُسجل من اعتراضات، أو أن الفقه المعني بدراسة نوازل المسلمين بأوربا والغرب هو فرع من فروع الفقه الإسلامي العام، وعلى التحقيق فرع من فروع الفقه النوازلي.
هناك أيضا حاجة المسلمين في الديار الأوربية الملحة إلى العناية بدراسة نوازلهم من طرف مختصين يفهمون واقعهم ولهم معرفة بظروفهم وخصوصياتهم، والتحديات التي تواجههم. وجوب مراعاة المفتين في تعرضهم لقضايا ومسائل الوجود الإسلامي بأوربا مقصد تحقيق المواطنة، وسبل تأكيد الاندماج الفعال البنائي، والانتقال من مرحلة تأصيل شرعية الوجود إلى سبل تحقيق مشروع الوجود.
أما بالنسبة لأهم التوصيات، فمنها ضرورة الاهتمام بالنوازل الفقهية للمسلمين بأوربا، دراسة تكون نابعة من الواقع الأوربي ومن باحثين لهم المعرفة الكافية بأسباب نشوئها، وبمآلاتها، ضرورة إنشاء مراكز بحث علمي شرعية في الديار الأوربية تواكب قضايا المسلمين ونوازلهم الفقهية في شتى المناحي والمجالات، وتكون حلقة وصل مع المجامع الإفتائية في العالم الإسلامي بحيث تقوم بالتصوير الصحيح، توظيف باحثين مختصين للاضطلاع بمهمة الفتوى فيما يُعرض لهذه المراكز والجمعيات من قضايا وفتاوى وعدم ترك الأمر لكل من هب ودب؛ انخراط العلماء والأئمة بالديار الأوربية في تنظيم عملية الإفتاء وذلك في إطار عمل مجموعات، وتفادي الإفتاء الفردي خصوصاً فيما بتعان بقضايا الأحوال الشخصية، تكوين لجان شرعية بالتنسيق مع الكفاءات العلمية من المحامين والمدرسين والأطباء قبل إصدار أي فتوى فيما يتعلق بالوجود الإسلامي لها ارتباط بالمجالات القانونية أو الطبية، مسؤولية المجامع والهيئات العلمية والمراكز الإسلامية، في إقامة دورات تدريبية، لتخريج فقهاء ومختصين في قضايا الأسرة فقها وقضاء، وتكوين مرشدين في مجال الأسرة لدراسة ومعالجة ما يحتاجونه من القضايا التي تطرح على المراكز والجمعيات بأوروبا.