أحمد الياس الحسين
يعتبر كتاب المسيحية وأثرها الاجتماعي في السودان الصادر عن دار إريثيريا للنشر والتوزيع، السودان (2025)، إضافة قيمة لتاريخ الفترة المسيحية. جمع فيه الدكتور صديق مهدي عبد الرحمن خلاصة ما تم تداوله من نقاش، ورتب ذلك في محاور ألقت الضوء على الجوانب التي تطرقت إليها مساهمات الزملاء. فشمل الكتاب دخول المسيحية للممالك النوبية والمجتمع النوبي المسيحي والنظام الكنسي واللغة النوبية ونهاية المسيحية في السودان، ثم تناول موضوعاً مهماً وهو عزوف الباحثين عن دراسة هذه الفترة المهمة في تاريخ السودان.
أضاء هذا الكتاب كثيراً من جوانب تاريخ السودان في العصر الوسيط، غير أنه لا يزال هنالك قصوراً واضحاً في دراسة تاريخ الممالك المسيحية كما أشار محرر الكتاب. فهنالك بعض الجوانب التي تتطلب المزيد من العناية والتركيز مثل موضوعات انتشار المسيحية المبكر السابق لاعتناق الممالك لها رسميا في القرن السادس الميلادي، وأثر الرهبان وبطاركة الكنيسة القبطية على ذلك، وانتشار المسيحية في مناطق شرق وغرب السودان وأعالي النيل الأزرق.
وهنالك جوانب أخرى مهمة في هذه الفترة في تاريخ السودان الوسيط بين القرنين ( 5 – 15 م) شهدت أحداثاً تاريخية كبرى تأسس عليها تاريخ السودان. لعل أهمها ثلاثة أحداث، أولهما نتج عنه قيام الممالك المسيحية، وحدثين نتج عنهما انهيار وسقوط الممالك المسيحية.
الحدث الأول التحركات السكانية الواسعة بسبب التغيرات المناخية في الصحراء الكبرى. فقد استقرت مجموعات كبيرة من السكان في أواخر الألف الأخير قبل الميلاد على طول المنطقة الواقعة شرقي النيل جنوب الشلال الثالث أطلقت عليها المصادر اليونانية اسم القبائل النوبية. ثم اجتاحت هذه القبائل أراضي مملكة مروي منذ بداية الألف الأول الميلاد متوغلة في مناطق النيل الأزرق والبطانة كما ورد في المصادر الرومانية والأُكسومية ونتج عن ذلك انهيار مملكة مروي وقيام الممالك المسيحية.
وجاء الحدث الثاني بعد نحو قرنين ونصف من انهيار مملكة مروي حيث حدث تحرك سكاني آخر من الجنوب الشرقي للسودان أطلقت عليه المصادر العربية اسم (الدمادم) ووصفهم ابن سعيد وأبو الفداء وابن الوردي بـتتر السودان. ذكر ابن سعيد في الجزء الرابع من المسكون خلف خط الاستواء في “كتاب الجغرافيا” وكتاب “بسط الأرض في الطول والعرض”:
“المعمور خلف خط الاستواء وفيه عمائر القَمَر التي ينسب إليها الجبل … والمشهور عنهم في هذا الجزء من مدن السودان دَمْدِمَة التي خرج منه الدمادم على بلاد النوبة والحبشة، سنة سبع عشرة وستمائة [1220 م] في طالع خروج الـتتر على بلاد العجم. وهم تتر السودان”.
والحدث الثالث تمثل في انتشار الإسلام على طول حدود الممالك المسيحية في الشرق والغرب والشمال مما أدى إلى انتشار الإسلام واللغة العربية وانحسار المسيحية وانهيار مملكتي المقرة وعلوه.
ينبغي دراسة هذه الأحداث وآثارها على كل مناطق السودان. على سبيل المثال: ما هي آثار تلك التحركات على اللغة المروية؟ وما هو دور النوبة والدمادم – تتر السودان – على التركيبة السكانيّة في مملكتي المقرة وعلوه ؟هل العدد الكبير من الوحدات السياسية المستقلة الذي ورد في سفارة المماليك عام 692هـ/1292 م نتيجة هجوم تتر السودان على مملكة علوه؟
وإلى جانب ذلك توجد الكثير من الموضوعات التي تتطلب البحث والمراجعة في هذه الفترة مثل: انتشار المسيحية قبل فترة التبشير البيزنطية ودور الرهبان والبطاركة الأقباط في ذلك
مملكة دوتواDotawo، اتحاد مملكتي نوباتيا والمقرة.
انتشار الإسلام في السودان قبل قيام الممالك الإسلامية ودور الممالك الحبشية ومملكة كانم على ذلك: ممالك شرق وغرب السودان في العصر الوسيط، سقوط الممالك المسيحية، نظام الوراثة في الممالك المسيحية.
كما اقترح مساهمة أقسام اللغة الإنجليزية في الجامعات بالترجمة كواجبات أو أبحاث تخرُّج لأعمال البعثات الكشفية والموضوعات المنشورة في الدوريات المهتمة بالدراسات النوبية.