إعداد وتنسيق:
ذ ـ محمد أكعبور مرشد ديني بإقليم الصويرة ـ باحث في الخطاب والإعلام الديني
د ـ أمين انقيرة مرشد ديني بمراكش ـ باحث في العلوم الشرعية
قيل الكثير عن مفهوم ووظيفة إمارة المومنين، كما قيل الكثير عن حكم تولية إمام يقوم بأمر الدين والدنيا ويسوسهما ضبطا للحياة العامة للرعية التي تمنح له ذلك، بموجب مقتضى البيعة على السمع والطاعة في المنشط والمكره، وصنفت في الموضوع تصانيف، وألفت في الباب تآليف، وورد في ذلك مقالات لعلماء الشريعة كما علماء الاجتماع، ومن ذلكم أن ابن خلدون رحمه الله عرف الإمامة بكونها : “حمل الكافة على مقتضى النظر الشرعي، في مصالحهم الأخروية والدنيوية الراجعة إليها؛ إذ أحوال الدنيا ترجع كلها عند الشارع إلى اعتبارها بمصالح الآخرة، فهي في الحقيقة خلافة عن صاحب الشرع، في حراسة الدين وسياسة الدنيا به” .
وما يزال البحث العلمي يواصل مساره في استكناه تلكم الوظائف التي عُهد بها لمفهوم إمارة المومنين ذي الحمولة الدينية والسياسية، مما تعرضت له السياسة الشرعية.
ويناقش الفكر الإسلامي وظائف هذه المؤسسة بناء على مقتضى ما صدر به البيان؛ البيعة الشرعية في السياق الحالي، فيخلص علماء الأمة فيتبعهم اقتضاء عامة الناس بالبلد إلى نظام متأسس على عمل في زمن النبوة حيث ” تتم البيعة إذن من خلال وثيقة تلزم، من جهة الإمام بحفظ نظام الأمة ووحدتها وضمان أمنها وسلمها، ورعاية مصالحها المختلفة، وتُلزم الأمةَ وممثليها، من جهة أخرى، بالنصرة والطاعة والولاء، تجندا وراء الإمام لإنجاح كل ذلك.
ولقد كان في طليعة هؤلاء على الدوام العلماء باعتبارهم ضمير الأمة المعبرين عن هويتها الدينية، ثم عموم الأمة بمن يمثلها من مسؤولي القطاعات والمصالح المختلفة.
ولقد عرف القطر المغربي نظام الإمامة والبيعة الشرعية على مدار أزيد من اثني عشر قرنا إلى يومنا هذا؛ وكان هذا المنصب……يحرس الدين من جهة، ويسوس الدنيا من جهة أخرى؛ أي: يحرص ويصون الاختيارات الدينية المذهبية التي اختارها المغاربة وتخلصوا من غيرها، والمعروفة بالثوابت الدينية: عقيدة أشعرية، وفقها مالكيا، وسلوكا جنيديا؛ وكلها اختيارات مبنية على التوسط والاعتدال، ولزوم بسر وسماحة الدين من غير غلو أو تشدد”.
لذلكم، تفطن المغاربة إلى تلك المقاصد مما يقي الأمة المغربية كثيرا من المهالك والمفاسد، حفظا لنمط تفكيرها ضمن منظومة دينية، يحفظ للأمة وجدانها السياسي ويضمن لها كيانها الديني، ويحدثنا تاريخ الفكر السياسي والتاريخ الديني المغربي أن ” لم يعتل عرش المغرب سلطان أو ملك إلا على أساس البيعة، بمعنى أنه بويع أمير المومنين، سواء تسمى بذلك اللقب أو لم يتسم به المبايع، والحكم على أساس البيعة بمعنى التزام المبايع بشروطها التي هي في إطار الدين معروفة محددة لا تخفى عن المبايعين، ليست عرفية، ولكنها مفصلة في كتب فقه أصلها القرآن والسنة، وأهمها أن يقوم على حفظ دين الناس وأرواحهم وأموالهم وأعرافهم، ومعنى هذا حفظ بيضة الإسلام من عدو الخارج والداخل، وشبه أمر الدين بالبيضة لاستدارته النسقية وتكامله ونصاعة طريقه وهشاشة استمراره، كما يدخل فيه الأمن والعدل وحفظ المعاش وتنميته وصيانة كرامة الفرد والعائلة والجماعة داخل الأرض التي تقوم فيها الدولة.
إذا كانت إمارة المومنين يتعاقد عليها في إطار الدين، فإن مفهومه عند الطرفين كان شاملا لأمور المعاد والمعاش، ولذلك فنجاعة إمارة المومنين في تاريخ المغرب هي نتيجة هذا التعاقد الفعلي التاريخي إلى يومنا هذا، وهي بارزة في كل أمور الهوية الدينية ومقوماتها كما وصلت إلينا وفي ما يتعلق ببناء الأمة والدولة والمجتمع، وما يتصل بهذه الجوانب من حضارة وثقافة وإسهام في كيان الإسلام خاصة وفي الكيان الكوني عامة.
فهويتنا الدينية، بمقوماتها وثوابتها كما وصلت إلينا اليوم بنضال إمارة المومنين ومن والاها ووليها من العلماء والصلحاء، هي الوحدة في مذهب السنة والجماعة وبداخله الوحدة في العقيدة الأشعرية والمذهب المالكي والتصوف السني.
أما الأمة التي وصلت إلينا فتتمثل بالرغم من التعدد الثقافي في الإجماع حول المقومات الدينية (أي حول جانب ثابت هو أمانة إمارة المومنين) وحول النظام الملكي كنظام للحكم وحول الوحدة الترابية.”
ومما جاء في تصدير الكتاب للدكتور أمين انقيرة منسق ومشرف على الكتاب ” إن أمتنا المغربية في أمس الحاجة إلى الوقوف مع هذه المؤسسة العظيمة التي وجدت لنفسها مكانا كبيرا في أفئدة أجيال هذا البلد؛ لترسم معالم حضارة قامت، وتقوم على أسس ميزتها بين الأمم والحضارات. ومن ثم، حُقَّ لها الفخر بثوابتها المستمدة من الدين؛ لتبقى بذلك أمة محافظة على دينها، ووطنا متمسكا بحضارته، وبلدا متشبثا بتاريخه. ولأجل هذا عمل علماء المغرب والباحثون على رسم معالم هذه المؤسسة العظيمة؛ “مؤسسة إمارة المومنين بالمغرب”، من جانب بيان التأصيل، وإبراز الخصوصية، وإظهار الآثار الحميدة.
ويأتي هذا العمل الذي بين أيدينا امتدادا واستمرارا لجهود من سبق من الأئمة والباحثين الأعلام، ممن أسهموا في مجال التأليف، سواء في جانب ثابت إمارة المومنين، أو غيره من الثوابت الدينية، وفي هذا أيضا ربط بين الحاضر والماضي، وتأكيد على مكانة إمارة المومنين بالمغرب.
ومما شجعنا وحفزنا على التأليف في هذا الموضوع حث ودعوة معالي وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية الأستاذ أحمد التوفيق إلى ذلك عند قوله: “إن الجدوى العظمى لإمارة المومنين في هذا العصر هي في كونها المرجعية بالنسبة لجميع الأطراف والفرقاء، وبذلك تجعل ممكنا هذا الاندماج المؤسساتي بين خصوصيات الدين، وسيرورة التاريخ، أي: التطور المتوازي في كل الجوانب، ويبدو هذا النظام، كما هو جار بناؤه في المغرب، نائلا التوافق من الأطراف السياسية، غير أن إغراء الدعوة الدينية كاستثمار سياسي يظل قائما ما لم تبلغ صلابة المؤسسة العلمية المستوى المطلوب؛ للقيام بدورها في حماية الدين داخل النسق الذي وصفناه، وباللغة الملائمة”.
فالناظر في بحوث هؤلاء الأساتذة الفضلاء يلمس ذلك التماسك والترابط بين موضوعاتهم المختلفة، التي تتميز بالجدة والموضوعية، كما أنها تخدم ثابت إمارة المومنين من مختلف الجهات.”
إمارة المومنين ورعايتها للثوابت:
“ومن جميل ما حظي به أيضا هذا الكتاب النفيس أن ربط ثابت إمارة المومنين ببقية الثوابت الأخرى” كالعقيدة الأشعرية والتصوف السني والمذهب المالكي باعتبارها منظومة التفكير الديني للمغاربة تحت إمرة الإمامة الجامعة.
الإصدار الجماعي ” إمارة المومنين بالمغرب التأصيل والخصوصية والأثر” قدم له العلامة الفقيه سيدي محمد فاضل وهو: محمد بن الحسن فاضل، مولده سنة: 1956م بجماعة أوكايمدن، أما عن نشأته العلمية ؛ فقد التحق بالتعليم النظامي بمدرسة مولاي إبراهيم وبعد إكمال التعليم الابتدائي دخل إلى التعليم العتيق عند والده سنة 1967م، وبقي في مدرسة والده بمولاي إبراهيم حيث مارس مهمة الإمامة والخطابة بمسجد زاوية مولاي إبراهيم منذ توفي والد سنة 1982م.
وأما عن الوظائف التي شغلها ؛ فقد عين واعظا تابعا للمجلس العلمي المحلي بمراكش سنة 1989م وعضوا بالمجلس العلمي المحلي بمراكش سنة 2005 وأستاذا بالكراسي العلمية بمسجد الكتبية بمراكش سنة 2008م وعضوا بالمجلس العلمي المحلي بالحوز سنة 2009م، واليوم يشغل منصب رئيس المجلس العلمي الجهوي لجهة مراكش أسفي.
المغاربة والبيعة الشرعية في العمل والآداب المرعية:
” ونحن المغاربة بفضل الله تعالى وهديه، وتوجيه الرسول الأكرم صلوات الله عليه، نجدد بيعتنا كل عام عاملين بالمقتضيات الشرعية، لا يخلو منبر من الدعاء لأمير المومنين بالصحة والعافية، وطول العمر، والسداد في الرأي والقول والعمل؛ لأنه حامي حمى الملة والدين، ومثبت راية الإسلام، والمدافع داخل أرضه وخارجه عن أسسه ومبادئه، فالدعاء له من أوجب الواجبات؛ لأنه في سلامته سلامة أمة ووطن، وفي ثبات أمره صلاح شؤون الرعية.
فبالمحافظة على باقي الثوابت محافظة على الوسطية في الاعتقاد، والابتعاد عن الغوص في قضايا وإشكالات فكرية عميقة، بعيدة عن مضمون الدين وقيمه العليا .
الدين والسياسة: وصال لا فصال:
” والإمارة حكم في الإسلام تمزج بين الشرعي والسياسي، وقد أشار إلى ذلك الإمام الغزالي في كتابه -التبر المسبوك في نصيحة الملوك- في اعتباره الشريعة أساس الوجود، بما في ذلك النظام السياسي، فمقاصد الخلق مجموعة في الدين والدنيا.
فلا فصل بين الدين والسياسة والحياة، فالدين منهج حياة لتنظيمها وضبطها، ولا فرق بين الدين الشرعي والدنيوي السياسي.
والأمر هنا يقتضي تنصيب إمام عادل بالوجوب، يشرف وينفذ ويدبر ويبرمج مجموعة من الأحكام والقوانين والقواعد التي تنظم العلاقة بين الحاكم والمحكومين، وبين الأفراد والجماعات.
وإجماع علماء السياسة الشرعية على وجوب تنصيب الإمام من أجل الحفاظ على وحدة الأمة وصيانة سيادتها من جهة، وتنفيذ خطاب الشرع وأحكامه المتعلقة بالمكلفين من جهة ثانية، لا يتم إلا بوجود إمام عادل مجمع على بيعته ببيعة شرعية، مسؤول ومنفذ لشرع الله عز وجل.
والبيعة تقتضي الخضوع لشروط أساسية مجمع على بنودها، وهي عقد وتعاقد يحكم العلاقة بين الطرفين. ”
إفادة في إشادة :
مما لامسه فضيلة العلامة الفقيه سيدي محمد فاضل في العمل العلمي الذي بين أيدينا؛ جدة وإجادة وتحقق ذلك من خلال المَورد من كلام فضيلته في التقديم وهو يواصل رحلته مع الكتاب من جميع مفاصله ومباحثه والنقط التي عرض لها المؤلَّف مما ضمنه له المؤلِّف (الجماعي).
” وهذا العمل الذي بين أيدينا الموسوم: “إمارة المومنين بالمغرب: التأصيل والخصوصية والأثر” لمجموعة من الأساتذة والدكاترة المرشدين تحت إشراف وتنسيق الدكتور أمين انقيرة؛ هو من الأعمال الجادة، والتي ستضيف إضافات قيمة في مجال البحث العلمي والأكاديمي.
وقد سبق لبعضهم أيضا أن كتبوا موضوعا بعنوان: “الثوابت الدينية وما جرى به العمل دراسات نظرية ونماذج تطبيقية”، بتقديم الدكتور سعيد شبار .
شكر وتهنئة ودعاء:
” فأشكرهم وَأُهَنِّئهم على هذه المبادرة الطيبة، وأسأل الله تعالى لهم مزيدا من التوفيق والعطاء. ”
المصدر : https://dinpresse.net/?p=20562