إصدار: تشكل الفلسفة ما بعد الكلاسيكية في الإسلام

23 ديسمبر 2025

محمد التهامي الحراق

صدر أخيرا كتاب البروفسور فرانك غريفل “تشكل الفلسفة ما بعد الكلاسيكية في الإسلام” (2025-2026) بترجمة رصينة ودقيقة للمؤلف والمحقق والمترجم عمرو بسيوني.

والكتاب تحفة يضطلع بالمراجعة العلمية الدقيقة للأحكام اللا علمية التي تمثلها السردية الاستشراقية التي ظهرت في الفترة الاستعمارية خلال القرن 19م، والتي تقول بانحدار وانسحاب الفلسفة من السياق الإسلامي بسبب هجوم أبي حامد الغزالي عليها، وأنها انقرضت وماتت في أرض الإسلام بعد ابن رشد، كما أشاع ذلك أرنست رينان في كتابه “ابن رشد والرشدية”، وصار بداهة في العديد من الدراسات الغربية والعربية على السواء.
يقدم الكتاب مقاربة تفكيكية لهذه السردية، ويثبت من خلال تحليل نصي علمي عميق استمرار حضور الفلسفة في السياق الإسلامي، بتشكل ما سماه “فلسفة ما بعد كلاسيكية في الإسلام”، والتي اتخذت اصطلاح “الحكمة”، حيث رصد نماذج منها في القرن السادس للهجرة مع أسماء مفكرين متنوعين في الفلسفة والكلام والعرفان؛ مبينا أن الفلسفة في هذه المرحلة صارت متداخلة مع حقول الكلام والعرفان والمنطق واللغة والتفسير، مما يجعلنا إزاء تحول في كيفية الحضور وليس إزاء أفول أو انقراض كما زعمت ذلك السردية الاستشراقية.
ويجمع المؤلف في كتابه هذا بين العرض التاريخي والفحص المفهومي والاقتراب النقدي، باسطا نماذج للفلسفة ما بعد الكلاسيكية في أرض الإسلام، من خلال تحليل نصي عميق لأمهات المصادر المخطوطة والكتب المطبوعة والوثائق والرسائل الغميسة في لغاتها الأصلية، لأعلام من القرن السادس للهجرة مثل أبي بركات البغدادي، وشهاب الدين السهروردي صاحب “حكمة الإشراق”، وفخر الدين الرازي الذي مثل، حسب المؤلف، ذروة الفلسفة ما بعد الكلاسيكية من خلال دمجه بين البرهان ومفاهيم الكلام والتفسير.
ولو أن الكتاب وسع مجال اشتغاله إلى القرن السابع للهجرة لشمل أعلاما عرفانيين كبارا في الغرب الإسلامي أمثال محيي الدين ابن العربي، وعبد الحق ابن سبعين، وأبي الحسن الششتري…إلخ.
وإجمالا، فإن الكتاب بمعالمه العلمية الرصينة والتجديدية يسهم بقوة في تحريرنا من أطروحة عصر الانحطاط الفلسفي بعد موت ابن رشد، ويوسّع أمامنا أفق إعادة اكتشاف الفلسفة الإسلامية وهي تعيد تشكيل ذاتها في الفترة ما بعد الكلاسيكية. للإشارة فإن المؤلِّف قد حظي عن مؤَلَّفه هذا بجائزة الشيخ زايد للكتاب في دورتها لعام 2024م عن فرع الثقافة العربية في اللغات الأخرى.

التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد.

“الإسلام الإخواني”: النهاية الكبرى

يفتح القرار التنفيذي الذي أصدره أخيرا الرئيس الأميركي “دونالد ترامب”، والقاضي ببدء مسار تصنيف فروع من جماعة “الإخوان المسلمين” كمنظمات إرهابية، نافذة واسعة على مرحلة تاريخية جديدة يتجاوز أثرها حدود الجغرافيا الأميركية نحو الخريطة الفكرية والسياسية للعالم الإسلامي بأكمله. وحين تصبح إحدى أقدم الحركات الإسلامية الحديثة موضع مراجعة قانونية وأمنية بهذا المستوى من الجدية، فإن […]

استطلاع رأي

هل أعجبك التصميم الجديد للموقع ؟

Loading...