19 يوليو 2025 / 22:27

إصدار: الأخلاقيات في نزاعات الحداثة

إعداد: رشيد المباركي

صدر للباحث ألاسدير ماكنتاير كتاب جديد بعنوان “الأخلاقيات في نزاعات الحداثة: مقالة في الرغبة والتفكير العملي والسردية”، وترجمته للعربية عبيدة عامر غضبان، عن دار الروافد الثقافية ناشرون ودار ابن النديم للنشر، حيث يواصل ماكنتاير مشروعه لإحياء الأخلاق التقليدية، عبر تأكيد أن الرغبة لا تصبح عقلانية إلا إذا رُويت ضمن قصة حياة لها غاية، وأن التفكير الأخلاقي الحقيقي يتطلب أكثر من مجرد حرية فردية: يحتاج إلى إطار اجتماعي، سردي، وتاريخي يمنح الأفعال معنى ويجعل الفضيلة ممكنة.

تدور الفكرة الرئيسية للكتاب حول معاناة الأخلاق الحديثة من أزمة عميقة ناتجة عن فقدان إطار سردي تقليدي يعطي معنى للرغبات والسلوكيات. كما يرى المؤلف أن تجاوز هذه الأزمة يتطلب العودة إلى تقليد الفضيلة حيث تُفهم الأخلاق ضمن قصة حياة تسعى إلى تحقيق الخير البشري، لا بوصفها مجرد اختيارات فردية لحظية.

ينتقد ماكنتاير الخطاب الأخلاقي الحديث الذي تحوّل إلى نوع من التعبير الشخصي الخالي من الأساس العقلاني، مما أدى إلى تفكك المعايير الأخلاقية وتحويل الرغبة إلى مبدأ توجيهي فردي لا يستند إلى غاية مشتركة. كما يفصل المؤلف بين نوعين من التفكير: التفكير التعبيري، وهو التعبير الذاتي عن الرغبات دون مرجعية عقلانية أو سردية، والتفكير الغائي، وهو التفكير في الرغبات ضمن إطار غاية أو خير أعلى، وفق فلسفة أرسطو وتوما الأكويني، حيث يُفهم الفعل الأخلاقي كتجسيد لسعي نحو الفضيلة.

بخصوص ثنائية الرغبة والبنية الاجتماعية، واضح تأثر ماكنتاير بماركس في تحليله للرغبة باعتبارها لا تتشكل بمعزل عن السياق الاجتماعي. فالرغبات لا تُنتج من فراغ، بل تُصاغ عبر بنى اجتماعية رأسمالية تولّد الحاجات باستمرار، مما يجعل الأفراد أسرى رغبات لم يختاروها بحرية حقيقية، معتبرا أن السبيل لتجاوز هذه الفوضى القيمية يكمن في تبني حياة “سردية”، أي أن يرى الإنسان حياته كقصة لها بداية وغاية ومسار، مما يسمح له بتنظيم رغباته وتبرير قراراته الأخلاقية.

يدعو ماكنتاير إلى ممارسة أخلاقية عقلانية متجذرة في التقاليد والسرديات التاريخية، بدلا من استسلام الإنسان لخيارات استهلاكية بلا هدف. إنه دعوة لإعادة بناء الذات والمجتمع من خلال استعادة المعنى الأخلاقي في عالم مأزوم.

جدير بالدكر، أن ألاسدير ماكنتاير فيلسوف أخلاقي سياسي، بدأ حياته ضمن التقليد التحليلي الماركسي، ثم تحوّل لاحقا إلى الكاثوليكية وتأثر بالفلسفة الأرسطية. من أبرز أعماله كتاب بعد الفضيلة وكتاب عدالة من؟ وأية عقلانية؟  يُعد من أبرز النقاد الأخلاقيين للحداثة الغربية.