ذ. محمد جناي
بحسب د. عبد الوهاب المسيري يقول “انتشرت مصطلحات عديدة في الآونة الأخيرة مثل التحديث والتنوير والعقلانية والعلمانية … إلخ ، وأحرز المصطلح الأخير على الوجه الخصوص شيوعا غير عادي في منطقتنا العربية والإسلامية ، بل على مستوى العالم، بحيث أصبح واحدا من أهم المصطلحات في الخطاب التحليلي (الاجتماعي والسياسي والفلسفي) الحديث في الشرق والغرب ،ويظن كثيرون أن مصطلحا على هذه الدرجة من الأهمية والمحورية والذيوع لا بد أن يكون واضحا تمام الوضوح، محدد المعاني والأبعاد، وعلى هذا الأساس دبجت المقالات، ودارت النقاشات، وعقدت الندوات، ونشرت الدراسات التي تناولت القضية بكل موضوعية، وظن الجميع أنهم أدوا واجبهم وأراحوا ضمائرهم! ولكن وضوح مصطلح العلمانية أمر بعيد كل البعد عن الواقع، ومن هنا يتضح لنا أن مصطلح العلمانية مصطلح خلافي جدا، شاع استخدامها وانقسم الناس بشأنها بين مؤيد ومعارض”.
فالعلمانية ، كنزعة في تدبير العالم ، وكمذهب في المرجعية الدنيوية لشئون العمران الإنساني ، لايمكن فهمها بمعزل عن الملابسات الأوروبية، لنشأتها في إطار الحضارة الغربية المسيحية، بجذورها الإغريقية الفلسفية ، وتراثها الروماني القانوني ،والإضافة المسيحية لهذه الجذور وذلك التراث،فهذا محمد عابد الجابري يقول: “..يمكن القول إجمالاً، إنه ما من شعار من شعارات الفكر العربي – كان وما يزال- مدعاة للبس وسوء التفاهم، كشعار العلمانية” .
وللمفكر المصري عبد الوهاب المسيري رؤية مغايرة في هذا الأمر، ففي كتابه (العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة)، يرى عبد الوهاب المسيري أنه: “يوجد في الواقع الإنساني علمانيتان لا علمانية واحدة، الأولى جزئية ونعني بها العلمانية باعتبارها فصل الدين عن الدولة ، والثانية الشاملة ولا تعني فصل الدين عن الدولة وحسب، وإنما فصل كل القيم الإنسانية والأخلاقية والدينية، لا عن الدولة وحسب وإنما عن الطبيعة وعن حياة الإنسان في جانبيهما العام والخاص، بحيث تنزع القداسة عن العالم ويتحول إلى مادة استعمالية يمكن توظيفها لصالح الأقوى”.
“وتعريف العلمانية باعتبارها فصل الدين عن الدولة وهو أكثر التعريفات شيوعا للعلمانية في العالم، سواء في الغرب أو في الشرق، وهي تحصر عمليات العلمنة في المجال السياسي وربما الاقتصادي أيضا وفي بعض المجالات في رقعة الحياة العامة، وتستبعد شتى النشاطات الإنسانية الأخرى أو تلزم الصمت بخصوصها، وحينما قال الرسول صلى الله عليه وسلم أنتم أعلم بأمور دنياكم، فقد كان في واقع الأمر يقرر مثل هذا التمايز المؤسسي ،ففي القطاع الزراعي بإمكان المرء أن يؤبر النخل أو لا ،حسب مقدار معرفته العلمية الدنيوية، وحسب مايمليه عليه عقله وتقديره للملابسات ،متحررا في بعض جوانبه من المطلقات الأخلاقية والدينية” .
“بل إن الجهاد نفسه ينطوي على مثل هذه الجوانب ، قال ابن إسحاق في سياق حديثه عن الاستعدادات لمعركة بدر الكبرى : ((فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يبادره إلى الماء حتى جاء أدنى ماء من بدر فنزل به))، قال ابن إسحاق :((فحدثت عن رجال من بني سلمة أنهم ذكروا أن الحباب بن المنذر بن الجموح قال: يارسول الله أرأيت هذا المنزل قال ابن إسحاق: ((يارسول الله أرأيت هذا المنزل .. أمنزلا أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخر عنه، أم هو الرأي والحرب والمكيدة ؟ قال: بل هو الرأي والحرب والمكيدة،قال: يارسول الله، فإن هذا ليس بمنزل، فامض بالناس حتى نأتي أدنى ماء من القوم فننزله ، ثم نغور ماءه من القلب ، ثم نبني عليه حوضا فنملأه ماء ، ثم نقاتل القوم فنشرب ولا يشربون ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لقد أشرت بالرأي))”.
“وثمة تمييز هنا بين الوحي (الذي لا يمكن الحوار بشأنه) وبين الحرب والخديعة (أي آليات إدارة المعركة العسكرية التي تخضع لإدراك ملابسات اللحظة)، أي أن ثمة تمايزا بين المؤسسة الدينية والمؤسسة العسكرية، ومن ثم ، فإن الفصل المؤسسات الدينية عن مؤسسات الدولة ليست مقصورة على المجتمعات العلمانية بأية حال، ولذا يتحدث بعض أصحاب هذا التعريف (من أنصار العلمانية الجزئية) عن أنه لا تعارض في واقع الأمر بين العلمانية والتدين، وأن بإمكانهما التعايش معا، وهو أمر ممكن بالفعل إذا كان المعنى هو مجرد تمايز بعض جوانب السياسي والاقتصادي عن المجال الديني، وإبعاد رجال الدين والكهنوت عن مؤسسات صنع القرار السياسي”.
“إن العلمانية الجزئية مرتبطة بالمراحل الأولى لتطور العلمانية الغربية ، ولكنها مع مرور الزمن ،ومن خلال تحقق حلقات المتتالية النماذجية العلمانية ، تراجعت وهمشت، إذ تصاعدت معدلات العلمنة (خاصة في العالم الغربي) بحيث تجاوزت مجالات الاقتصاد والسياسة والأيديولوجيا ، وأصبحت العلمنة ظاهرة اجتماعية كاسحة، وتحولت بنيويا عميقا يتجاوز عملية فصل الدين عن الدولة وعملية التنظيم الاجتماعي (الرأسمالي والاشتراكي) ، ويتجاوز أية تعريفات معجمية وأية تصورات فكرية قاصرة محدودة، فلم تعد هناك رقعة للحياة العامة مستقلة عن الحياة الخاصة.فالدولة العلمانية والمؤسسات التربوية والترفيهية والإعلامية وصلت إلى وجدان الإنسان، وتغلغلت في أحلامه، ووجهت سلوكه وعلاقته بأعضاء أسرته النووية ، وفرضت ماتبقى من أخلاقيات مسيحية أو حتى إنسانية”.
“ومن ثم ، أصبحت المقدرة التفسيرية والتصنيفية لنموذج العلمانية الجزئية ضعيفة إلى أبعد حد، ومع هذا ، تم الاحتفاظ به واستمر شيوعه حتى بعد اتساع نطاق عمليات العلمنة بحيث أصبحت أكثر شمولا، وقد أدى هذا إلى اكتساب المصطلح خاصية جيولوجية تراكمية ، فحين يظهر تعريف جديد يضاف إلى التعريفات السابقة، ويستمر بجوارها دون أن يحاول أحد صياغة كل التعريفات في نموذج واحد ، شامل مركب، له مقدرة تفسيرية عالية، وقد أدى هذا إلى أن الحوار بشأن العلمانية أصبح مشوشا، بل مستحيلا، إذ يستخدم المتحاورون المصطلح نفسه (علمانية)ولكن كل واحد منهم يسقط عليه معنى مختلفا ويراه في إطار مرجعية مختلفة”.
ولهذا السبب يثير تحديد مفهوم العلمانية مشكلاً، ذلك أنّ تشكلها لم يتم دفعة واحدة، وإنما توالى عبر مستويات استعمالية مختلفة، وعبر تطورات زمنية لها إشكالاتها الخاصة، زيادة إلى كون هذه الظاهرة ليست عالمية المنشأ، وإنما هي غربية التكون والظهور،إضافة إلى إشكاليات رصد المفهوم في حد ذاته، وهل هي عملية واعية مقصودة، يتم تبنيها، أم هي عملية كامنة تتم عبر مفاصل الفكر، وتتغلغل إلى أعماق النفس، فتبرز في صورة سلوك مبرر، وأنماط حياتية، تكرّس بصفة معقولة ومفهومة بل ومدافع عنها؟”.
“ومن المنظور الاختزالي نفسه تناقش العلمانية في إطار نقل الأفكار والتأثر بالحضارات الأجنبية، فينظر إلى العلمانية على أنها مجموعة من الأفكار الغربية صاغها بعض المفكرين الغربيين، وأن هذه الأفكار نشأت في أوروبا بسبب طبيعة المسيحية ، باعتبارها تفصل الدين عن الدولة وتعطي مالقيصر لقيصر وما لله لله وكأن الغرب لم يشهد ظاهرة تداخل الديني والزمني ، فالعلمانية من ثم ظاهرة مسيحية غربية وحسب ،مرتبطة ارتباطا كاملا بالغرب ،ولذا ، فلا علاقة بالإسلام والمسلمين بها، وحسب هذا التصور الاختزالي ،يعود انتشار العلمانية إلى أن بعض المفكرين العرب قاموا بنقل الأفكار العلمانية الغربية، فتبناها بعض أعضاء النخبة ،ثم قلدتهم دائرة أوسع من الناس ، ثم أخذ نطاق التقليد بتسع تدريجيا ، إلى أن انتشرت العلمانية في مجتمعاتنا “.
“وهذه الرؤية تتجاهل بعض الحقائق البديهية والبسيطة ومنها أن النماذج الطبيعية / المادية موجودة بشكل كامن في أي مجتمع بشري، ومكون ضروري وأساسي في الوجود الإنساني، وعلى المستوى الفكري ،يمكن القول بأن الأفكار العلمانية كامنة في أي مجتمع على وجه الأرض ومنها المجتمعات الإسلامية ، فإغراء التفسيرات المادية والنزوع الجينيني الذي يعبر عن نفسه في الرغبة في الاندماج بالخالق، وفي إلغاء كل الحدود ، وفي التحكم الكامل في كل شيء ، وفي التخلي عن الحدود وعن المسؤولية الخُلقية هو جزء من النزوع العام الموجود في النفس البشرية ، وهذا يعني أن الاتجاه نحو العلمنة والواحدية المادية كامنة في النفس البشرية ، ومن ثم فهي كامنة في المجتمعات الإسلامية وفي أي مجتمع إنساني”.
“وكذلك نجد في أية جماعة إنسانية ، ومهما بلغ تدينها وتمسكها بأهداب دينها، لابد أن تتعامل في كثير من الأحيان ، مع الزمان والمكان والطبيعة والجسد ، من خلال إجراءات زمنية صارمة دون أي تجاوز ، فمثلا في عملية بناء بيت للعبادة يتطلب اختيار عمال يتسمون بالكفاءة في أدائهم المهني ، ونحن لا ننظر كثيرا إلى مستواهم الأخلاقي أو إلى معتقداتهم الدينية إلا بمقدار تأثير هذا في أدائهم المهني ، أي أن عملية اختيار العمال تخضع لمعايير زمنية ، ومع هذا ،يظل الهدف النهائي من عملية بناء بيت العبادة إقامة الشعائر وليس الربح المادي، وعناصر العلمنة موجودة في أي مجتمع في الهامش وفي حالة كمون، ويمكن أن تنتقل من الهامش إلى المركز (المرجعية) ومن الكمون إلى التحقق، إن ظهرت اللحظة التاريخية ،والظروف الاجتماعية والسياسية المواتية ،وساد الجو الفكري المناسب”.
“علاقة الدين المسيحي بالمجتمع الغربي علاقة مركبة، وسنجد القائلين بأن العلمانية ظاهرة مسيحية غربية وحسب قد أخذوا نصا من العهد الجديد ( اتركوا مالقيصر لقيصر ، ومالله لله)، وعمموا بناءً عليه ، بل افترضوا أن كل المسيحيين يسلكون حسب هذا النص ، والواقع التاريخي مختلف تمام الاختلاف ، فالعقيدة المسيحية لايمكن اختزالها في هذا النص ، وهي رؤية كاملة للكون شكلت الإطار المعرفي والحضاري الذي كان يتحرك داخله العالم الغربي لمدة طويلة ، وكانت بمنزلة الأيديولوجية الحاكمة له في كل مجالات الحياة ، وظهور العلمانية في الغرب لا يرجع إلى فساد بعض رجال الدين ، أو إلى الارتباط الوثيق بين مؤسسات الكنيسة (الكاثوليكية) ومؤسسات الإقطاع الغربي ،أو إلى تعنت الكنيسة ورفضها الأعمى للثورة العلمية ، فرغم أهمية هذه العناصر في اندلاع الثورات ضد الكنيسة إلا أننا نتصور أن المسألة أعمق من ذلك بكثير ، فهي مرتبطة بتحولات بنيوية عميقة في عالم الاقتصاد والسياسة ، ثم في مجالات الحياة الأخرى ،وهذه التحولات هي التي أدت إلى ظهور العلمانية وكل المجتمعات الإنسانية ليست بمنأى عن مثل هذه التحولات”.
“ومن ثم ، فمن يدرس ظاهرة العلمانية باعتبارها مجموعة من الأفكار المحددة والممارسات الواضحة يتجاهل الكثير من جوانبها ، وبالتالي يفشل في رصدها ، ومصطلح علمانية الذي لايشير إلى هذه الجوانب هو دال قاصر عن الإحاطة بمدلوله، فالعلمانية ثمرة عمليات كثيرة متداخلة بعضها ظاهر واضح والآخر بنيوي كامن ، وهي تشمل كل جوانب الحياة ،العامة والخاصة ، والظاهرة والباطنة، وقد تتم عمليات العلمنة من خلال الدولة المركزية ،بمؤسساتها الرسمية ،أو من خلال قطاع اللذة من خلال مؤسساته الخاصة، أو من خلال عشرات المؤسسات الأخرى، (ومنها المؤسسات الدينية ذاتها)، أو من خلال أهم المنتجات الحضارية أو أتفهها”.
ولنحاول أن نضرب بعض الأمثلة:
أولا: “وكما هو معروف فالاتحاد السوفيتي كان دولة تسيرها عقيدة علمانية شاملة، ذات طابع إلحادي مادي هجومي، وأما الولايات المتحدة فهي على العكس من هذا تسمح بحرية العقيدة والتبشير والدعاية الدينية ، كما أن عدد الكنائس في الولايات المتحدة كبير جدا،وحتى عهد قريب لم يكن بإمكان أحد أعضاء النخبة الحاكمة أن يجاهر بإلحاده ويحتفظ بمنصبه في الوقت نفسه، ولايزال كثير من الساسة يحرصون على حضور الصلوات يوم الأحد ،بل إن الدولار الأمريكي متوج بعبارة “نحن نثق بالإله”.
“وحسب هذا الانطباع الأولي ، كان لابد أن يكون الاتحاد السوفيتي أكثر علمانية من الولايات المتحدة ،ولكن العكس في تصوري هو الصحيح! فالولايات المتحدة أكثر البلاد علمنة بلا منازع، وهذا يعود إلى مركب من الأسباب ،من أهمها التغيرات البنيوية الضخمة (التي ليس لها نظير في أي مجتمع)،فهناك عمليات التصنيع والتمدن ، والتي تؤدي إلى الهجرة من القرية إلى المدينة ،وإلى تركيز البشر في رقعة محدودة ، وظهور أشكال جديدة من التضامن غير الأشكال القبلية أو القروية أو الأسرية، وتسارع إيقاع الحياة، وتفكك الأسرة، وظهور مؤسسات حكومية تضطلع بكثير من أدوار مؤسسة الأسرة ، وانتشار المصنع كوحدات أساسية ومركزية، وتهميش القيم الأخلاقية والإنسانية و الدينية ،وهيمنة أخلاقيات السوق وقوانين البيع والشراء والعرض والطلب على الوجدان الأمريكي ،هذه التطورات البنيوية تولد استعدادا ذهنيا ونفسيا لدى المواطن للتعامل مع الواقع بشكل هندسي آلي كمي ،كما تخلق التربة الخصبة التي ينمو فيها الإيمان بأن الواقع (وضمن ذلك كثير من جوانب السلوك الإنساني ) إن هو إلا مادة نسبية منفصلة عن القيمة توظف لتعظيم اللذة وزيادة المنفعة المادية ،وبأن القيم الأخلاقية نسبية، وبأن البقاء للأصلح،أي أن بنية المجتمع نفسها تولد رؤية معرفية أخلاقية علمانية شاملة (بغض النظر عن نطاق الدعاية الإلحادية الصريحة)، ولو درسنا معدلات التصنيع والتمدن في الولايات المتحدة لوجدناها أعلى بكثير من نظيرتها في الاتحاد السوفيتي، وسنجد رغم شراسة الدعاية الإلحادية في الاتحاد السوفيتي فإن فعاليتها في عملية العلمنة أقل بكثير من فعاليات عمليات التصنيع والتمدن”.
ثانيا: “تعد المنتجات الحضارية المألوفة البريئة من أهم آليات العلمنة الشاملة البنيوية الكامنة، ولنضرب مثلا ب ( التِّي شيرت T-Shirt) الذي يرتديه أي طفل أو رجل وقد كتب عليه مثلا (اشرب كوكاكولا) ،إن الرداء الذي كان يوظف في الماضي لستر عورة الإنسان ولوقايته من الحر والبرد ،وربما للتعبير عن الهوية ،قد وظف في حالة (التِّي شيرت T-Shirt) بحيث أصبح الإنسان مساحة ، الخصوصية لها ،غير متجاوزة لعالم الحواس والطبيعة/المادة، ثم توظف هذه المساحة في خدمة شركة الكوكاكولا (على سبيل المثال) وهي عملية توظيف تفقد المرء هويته وتحيده ،بحيث يصبح منتجا بائعا ومستهلكا للكوكاكولا ومع هذا لا يمكن القول بأن الكثيرين يدركون ذلك”.
“ومايهمنا في كل هذا هو أن نشير إلى أن بعض المنتجات الحضارية التي قد تبدو بريئة تماما تؤثر في وجداننا وتعيد صياغة رؤيتنا لأنفسنا وللعالم، إذ أن أولئك الذين يشاهد أطفالهم توم وجيري ، ويشاهدون الأفلام الأمريكية ،ويرتدون التيشيرت، ويتابعون أخبار وفضائح النجوم ويتلقفونها ، ويشاهدون كما هائلا من الإعلانات التي تغويهم بمزيد من الاستهلاك…، يجدون أنفسهم يسلكون سلوكا ذا توجه علماني شامل ، ويستنبطون -عن غير وعي- مجموعة من الأحلام والأوهام والرغبات هي في جوهرها علمانية شاملة دون أية دعاية صريحة أو واضحة وربما كان بعضهم لايزال يقيم الصلاة في مواقيتها ويؤدي الزكاة!”
وختاما فالدكتور عبد الوهاب المسيري -رحمه الله – يرى أن للعلمانية مفهومان في دائرتين متداخلتين:
الأولى: العلمانية الجزئية وهي الدائرة الصغيرة ،وتعني فقط فصل الدين عن الدولة ، وهي بالتالي لاتنكر الدين ولكنها تفهمه كأشواق روحية تتيح لكل فرد أن يتصل بخالقه بالطريقة المناسبة.
والثانية: العلمانية الشاملة وهي الدائرة الأوسع وتحيط بالأولى ، وهي تعني فصل الدين عن الدولة ، وعن حياة الإنسان في جانبها العام والخاص بحيث تنزع القداسة، ويتحول العالم والإنسان والطبيعة إلى مادة يمكن توظيفها لصالح الأقوى،وللاستمتاع بمباهج الحياة مأمكن،وتؤدي العلمانية الجزئية حتما إلى العلمانية الشاملة في نهاية المطاف.
ــــــــــــــــــــ
المراجع المعتمدة:
العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة د.عبد الوهاب المسيري ،المجلد الأول: النظرية ، دار الشروق الطبعة السادسة 2016 .
المصدر : https://dinpresse.net/?p=12443