إشكالية الدولة التقليدية على ضوء كتاب “الدولة” لعبد الله العروي”ج1″

دينبريس
آراء ومواقف
دينبريس3 ديسمبر 2024آخر تحديث : الثلاثاء 3 ديسمبر 2024 - 12:33 مساءً
إشكالية الدولة التقليدية على ضوء كتاب “الدولة” لعبد الله العروي”ج1″

خديجة منصور
لفهم طبيعة الدولة العربية بعيداً عن أشكالها المتعددة كالأموية والعباسية، يتطلب الأمر العودة إلى سؤال جوهري: ما هي الدولة الإسلامية؟ وما هي ركائزها؟ هذا السؤال يعكس صعوبة تحديد مفهوم الدولة الإسلامية، ليس بسبب نقص المعلومات، بل بسبب الطريقة التي تشكلت بها تاريخياً.

قبل الإسلام عرف العرب أشكالاً بدائية من الدولة، سواء من خلال النظام القبلي أو الملكية كما في اليمن، وارتكزت أهداف هذه الدول على الشهرة والمال والقهر، لكن مع ظهور الإسلام، جاءت الدعوة المحمدية لتتحدى هذه المفاهيم وتغير طبيعة العلاقة بين الفرد والدولة، ومع الفتوحات الكبرى ورثت الدولة الإسلامية مؤسسات الروم والفرس، مما خلق حالة من التفاعل بين المكونات العربية الإسلامية، والآسيوية، فتارة حدث تناغم بينها، وتارة أخرى نشأ صراع أدى إلى تغيرات في بنية الدولة.

الدولة العربية اعتمدت في نشأتها واستمراريتها على خلق توازن اجتماعي بين القبيلة والعشيرة والأسرة، هذا التوازن كان ضرورياً لضمان الاستقرار، لكن اختلاله كان يعني انهيار الدولة، في الوقت نفسه حاول التصور الإسلامي للدولة تهذيب الأفراد وجعلهم أكثر طاعة عبر المزج بين الدين والمصالح السياسية، وهو ما تطلب مزيجاً دقيقاً من المكونات الثلاثة: العربي، الإسلامي، والآسيوي، ومع ذلك شهدت بعض الحقب التاريخية اختفاءً لأحد هذه المكونات نتيجة لاضطرابات التوازن.

ابن خلدون في تحليله لطبيعة السلطة، قدّم رؤية مميزة لتصنيف أنظمة الحكم فميز بين الملك الطبيعي، الذي يحكم الناس بناءً على الغرض والشهوة، والملك السياسي، الذي يعتمد على العقل لجلب المصالح الدنيوية، والخلافة، التي تستند إلى الشرع لتحقيق مصالح الناس الدنيوية والأخروية، هذا التصنيف يعكس رؤية دقيقة لطبيعة السلطة في التاريخ الإسلامي، حيث يقر ابن خلدون أن الخلافة، كنموذج مثالي، كانت محدودة بفترة زمنية قصيرة بدأت مع النبي محمد وامتدت إلى منتصف عهد الخليفة الراشد عثمان بن عفان، قبل أن تتحول إلى ملك طبيعي مع معاوية، الذي أسس لنظام استبدادي يعتمد على القهر والعصبية.

يرى ابن خلدون أيضاً أن السياسة العقلية تنقسم إلى نوعين: الأول يخدم مصلحة العامة، والثاني يركز على مصلحة السلطان فقط في هذا السياق، يمكن القول إن المسلمين عاشوا في أغلب فترات تاريخهم تحت حكم الملك الطبيعي، بينما بقيت الخلافة مجرد أمل بعيد المنال، ومع ذلك فإن أي دولة قامت في دار الإسلام، مهما بلغت من الاستبداد حافظت دائماً على جزء من الشريعة، لأنها كانت ضرورية لضمان الأمن والاستقرار.

المفاهيم الأساسية التي قامت عليها الدولة الإسلامية، كالعصبية، الشرع، والعدل، ظلت مجردة لكنها شكلت الأساس الذي بُنيت عليه السلطة. وهذا ينسجم مع رؤية عبد الله العروي، الذي يرى أن الدولة العربية الإسلامية كانت دائماً محكومة بتوازن معقد بين المثالية والواقع. فبينما تتطلع الدولة إلى تحقيق النموذج المثالي للخلافة ،كانت تواجه باستمرار إكراهات السلطة والعصبية التي جعلت من الاستبداد أداة للبقاء.

الدولة الإسلامية إذاً ليست كياناً بسيطاً يمكن تحديده بسهولة، بل هي ظاهرة تاريخية معقدة تجمع بين المثال والواقع. إنها تعكس تفاعل الدين، السياسة، والمجتمع في سياق تاريخي مضطرب، حيث بقيت السلطة محكومة بضرورات الشرع والعصبية، مع سعي دائم لتحقيق التوازن الذي يضمن استمراريتها….

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.