محمد زاوي
هذا الموضوع الذي دأبنا على المرور عليه كل سنة مرور الكرام، فيه تلتقي تخصصات عديدة، وتتقاطع توجهات مختلفة.. تحتاج دراستها إلى عدة منهجية ومعرفية واطلاع واسع. فيما يلي ما يحتاجه الدارس في الموضوع:
1 ـ علوم الشريعة؛ ففي جميعها أثر للسيرة. في علم الكلام مباحث لاعتقاد الرسول صلى الله عليه وسلم، وفي الأصول والفقه مباحث لمنطقه، وفي علوم اللغة لسانه ولسان مَن بعِث فيهم، وفي الحديث نماذج من تجربته في مختلف مراحل الحياة، أما القرآن وعلومه فأساس السيرة الأول (لأن السيرة تفسير عملي للقرآن)… الخ.
2 ـ مباحث العرفان والسلوك إليه؛ وذلك لأن فلسفة التصوف وآفاقه هما الأساس لمعرفة الوحي معرفة وجودية.
ويجب التأكيد على أن هذه المباحث لا تؤتي أكلها إلا إذا درِست في إطارها العام، وهو حكمة الشرق، حكمة العرب والصين و الهند وبلاد فارس الخ. أضاع الغرب هذه الحكمة في العالَمين، ولذلك يغيب معنى الوحي عن الوعي المادي اللاوجداني.
3 ـ العلوم الإنسانية والاجتماعية المختلفة، من أنثروبولوجيا وسوسيولوجيا وتاريخ وجغرافيا واقتصاد وسياسة وسيكولوجيا وميثولوجيا وفيلولوجيا ولسانيات الخ.
فمن خلالها تعرَف الظاهرة التي نزل فيها الوحي، فلولا القابلية لما وجد الوحي مجالا للانعتاق، بل لما وجد مجالا للإعجاز نفسه. قدرة الله قد تظهر من غير قابليات، ولكنه أراد لها القابلية في الناس.
4 ـ التاريخ، تأريخا وفلسفة؛ وهو من العلوم الإنسانية والاجتماعية، ويأتي التأكيد عليه هنا لأهميته من جهتين.
من جهة تحقيقه للأحداث وكشفه عنها بالشواهد المكسِبة لليقين؛ ومن جهة تفسيره لهذه الأحداث بقواعدها التي تَمِيز التاريخي من اللاتاريخي، أي تميز التاريخ من الوحي وتعرف حدود الالتقاء والافتراق بينهما وتكشف إلى أي حد أثر أحدهما في الآخر.
5 ـ الاستشراق؛ وفيه كتابات وتوجهات ومدارس، وكثيرة هي دراساته التي تناولت السيرة بشكل أساسي (فلهاوزن، وات…) أو عرضا (بلاشير، رودينسون…).
ليس كل ما اكتشفه الاستشراق هادما وغيرَ صحيح، وإنما فيه الغث وفيه السنين. والجدارة في الاستفادة من معطاه الصحيح وتحليله السديد، والحذر إذا تعلق الأمر بمعطاه المدسوس والمختلَق وتحليله الدخيل غير السديد.
(يتبع)