28 مارس 2025 / 16:40

إسهامات الزوايا المغربية في ترسيخ الدبلوماسية الدينية بإفريقيا

حميد اعناية ـ باحث في العلوم السياسية والعلاقات الدولية (مهتم بالتصوف المغربي الافريقي)
لعبت الطرق الصوفية المغربية دورا كبيرا في العلاقات الدينية والحضارية بين المغرب والدول الأفريقية، من خلال نشر الحضارة العربية الإسلامية في هذه البقاع، حيث لعب رجالات مشايخ التصوف والأئمة والعلماء والزوايا والتجار، دورا كبيرا في التأسيس والتأصيل لهذه العلاقات الدينية والحضارية بين المغرب ودول غرب أفريقيا على الخصوص، وما الترابط القوي الحالي بينهم على مستوى الدبلوماسية الدينية والروحية والثقافية والحضارية إلا دليل قاطع على متانة تلك الروابط وتجدرها وتحضرها وإنسانيتها.

شكلت ظاهرة العودة القوية للتصوف في المغرب كموضوع يستدعي الرصد والتتبع والتحليل، نظراً لكونها أصبحت سمة بارزة في السياسة الدينية الجديدة للدولة. وقد تبلورت هذه السياسة بشكل خاص من خلال ما بات يُعرف بإعادة تأهيل وهيكلة الحقل الديني في المغرب، مع التركيز على التصوف السني المستند إلى نهج الجنيد السالك كأحد مرتكزاتها الأساسية.

وجاء ذلك كنوع من تكيف المغرب مع متغيرات الساحة الدولية واستباقا لتوجهات السياسة العالمية بعد تفجيرات 11 شتنبر 2001 بأمريكا في اتجاه محاصرة التيار السلفي المتطرف؛ حيث جاء تعيين السيد (أحمد التوفيق) كصوفي وزيرا للأوقاف والشؤون الإسلامية في نونبر 2002، دلالة كبيرة على التأشير على معالم تحول استراتيجي في توجهات السياسة الدينية في المغرب، لرد الاعتبار للفاعل الصوفي في الحقل الديني والرهان عليه في مواجهة التطرف، وقد اتضح هذا الهدف بشكل أكبر بعد تفجيرات 16 ماي 2003 في الدار البيضاء.

ومع لقاء سيدي شيكر الأول سنة 2004، بدت معالم استراتيجية إعادة الاعتبار للفاعل الصوفي، والتي وضحتها الرسالة الملكية لهذا اللقاء في ثلاثة أبعاد رئيسية: البعد الأول: مساندة الإمامة الشرعية، أما الثاني أكد على تحرير النفوس من حب الرئاسة المغرضة وترويضها على الشكر لله ونبذ أنواع الأنانية والطغيان، وهو ما شرحته بوضوح الرسالة الملكية إلى التجمع حين أطلقت على ذلك تحصين الإسلام السني الصحيح من ” التدين المسيس”، وأخيرا التخريج التربوي لجيل لا تتناقض النوازع الكونية عنده مع الروح الوطنية الخالصة. وفي هذا السياق أبرزت الرسالة الملكية رغبتها في فتح المجال لمبادرات الفاعل الصوفي ومساهمته.

وقد برزت معالم هذه الاستراتيجية أكثر وضوحا في الرسالة الملكية الموجهة للتجمع العام لرواد الطريقة التجانية في 27 يونيو 2007، حيث أكدت على رهان الدولة على رعاية الزوايا الصوفية، وحددت الأدوار والوظائف التي تراهن الدولة عليها في الزوايا والطرق الصوفية.

كما جاءت الرسالة الملكية إلى المشاركين في الدورة الوطنية الأولى للقاء (سيدي شيكر) للمنتسبين للتصوف الممتد ما بين 19 إلى 21 من شتنبر 2008 والذي مثلته ما يقارب 32 طريقة صوفية بما مجموعه 961 زاوية؛ حيث تبرز هذه الرسالة الأدوار التي ألقتها السياسة الدينية في المغرب على كاهل هذا النسيج وهي الإسهام في: “الإرشاد الروحي، ونشر العلم والتنمية، والدفاع عن حوزة الوطن ووحدته، وتماسك المجتمع، وتثبيت الهوية الدينية للمغاربة”.

وعليه، تم الرهان على الدور الخارجي للزوايا الصوفية في نفس الرسالة الملكية، من خلال الحديث عن دور الطرق والزوايا الصوفية في نشر التربية الروحية، ومكارم أخلاقها العليا في بلدان الساحل والعمق الأفريقي، وترسيخ صلات الأخوة والتضامن بين المغرب وأشقائه الأفارقة. علاوة إلى تنظيم مجموعة من الملتقيات الصوفية التي تساهم في نجاح السياسة الدينية كتجربة مغربية متفردة، ونذكر في هذا الصدد الملتقى العالمي للتصوف للطريقة القادرية البودشيشية في قرية مداغ بإقليم بركان.

إن تحقيق الأمن الروحي والاستقرار الديني والاجتماعي يعتبر هدفا محوريا لمساهمة الزوايا في التجربة المغربية لدبلوماسيتها الدينية والروحية مع الدول الأفريقية، ومدخلا أساسيا لا محيد عنه للنهوض بالعنصر البشري باعتباره حلقة أساسية في التنمية. التي تعد عملية شمولية تتداخل فيها مجموعة من الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية، إذ التنمية تنطلق من الإنسان لتُوجَّه إلى الإنسان ثم تخدمه.

وفي هذا الإطار تتجلى وظيفة الزوايا من خلال دورها الأساسي في التنمية، وهو ما تسعى له الدبلوماسية الدينية والروحية للمغرب مع الدول الأفريقية، بالمساهمة في إنشاء مؤسسات تصب في نفس السياق، عبر المكون الصوفي المعتدل الوسطي، وفي إطار المرجعية الدينية للمملكة القائمة على المذهب المالكي والعقيدة الأشعرية والتصوف السني للجنيد السالك وإمارة المؤمنين؛ حيث ترجمت هذه الإرادة عن طريق تأسيس إطار مؤسسي لدعم هذا التوجه على مستوى أوسع، مع التركيز على تطوير الإشراف الديني بشكل أكاديمي منظم؛ حيث أنشأت بهذا الصدد مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة بتاريخ 24 يونيو 2015، والتي تؤكد في ديباجتها على أهمية الروابط الدينية والتاريخية والثقافية التي تجمع المغرب بالقارة الأفريقية، والتأكيد على أن المملكة المغربية تعد جزءًا لا يتجزأ من هذه القارة.

بالإضافة لما يقوم به معهد محمد السادس لتكوين الأئمة المرشدين والمرشدات، ودار الحديث الحسنية، لأجل تعزيز العلاقات الدينية والروحية بين المغرب والدول الأفريقية، بما يساهم في تحقيق الأمن الروحي والاستقرار الديني والاجتماعي في بلدانها والعالم.

الشيء الذي نستنتج معه، بأن الزوايا المغربية بمختلف طرقها تسهم في تعزيز ونجاح الدبلوماسية الدينية للمغرب مع باقي الدول الأفريقية، في إطار توظيفها لغاية دبلوماسية بوسيلة دينية.
ـــــــــــــــ
جامعة القاضي عياض مراكش-المغرب: [email protected]