إسرائيل أمام اختبار البقاء..

دينبريس
2025-01-19T13:32:43+01:00
آراء ومواقف
دينبريسمنذ 4 ساعاتآخر تحديث : الأحد 19 يناير 2025 - 1:32 مساءً
إسرائيل أمام اختبار البقاء..

لم تكن “الصفقة” التي أبرمتها إسرائيل مع “حماس” ودخلت اليوم حيز التطبيق بشكل رسمي، مجرد اتفاق لتبادل الأسرى، بل وثيقة استسلام سياسي وأمني، فرضتها المقاومة بشروطها، بينما تتخبط تل أبيب في مشهد يترنح بين فقدان الردع والانقسام الداخلي.

وتوهمت إسرائيل، قبل خمسة عشر شهرا، أن بإمكانها سحق حماس في أيام، لكنها اليوم تجد نفسها عاجزة عن تحقيق أهدافها العسكرية والاستراتيجية، بينما تعترف نخبها السياسية والإعلامية بأن الحركة خرجت أكثر قوة، وأكثر قدرة على فرض شروطها.

وفي العبارات الإسرائيلية المتكررة، تتردد كلمات لم يكن بالإمكان تصورها في قاموس الجيش الأقوى في المنطقة: “حماس انتصرت علينا وعلى كل الغرب”، “حماس أسطورة لأجيال قادمة”، “نتنياهو فشل سياسيا، والجيش فشل عسكريا”، “لا نملك خيارا سوى القبول بهذه الصفقة”.

وفي قلب هذه الهزيمة، تتضح أبعاد الانهيار الإسرائيلي على أكثر من مستوى:

أولا: على المستوى العسكري، لم تنجح إسرائيل في القضاء على الذراع العسكري لحماس، رغم أشهر من القصف المكثف والعمليات البرية، بل اعترفت بأنها لم تتمكن حتى من كشف كامل شبكة الأنفاق، التي ما زالت تمتد لعشرات الكيلومترات، مشكلة شريانا عسكريا بالغ الفعالية للحركة.

ثانيا: على المستوى الاستخباراتي، فشلت المنظومة الأمنية الإسرائيلية، بما فيها “الشاباك” و”الموساد”، في توقع حجم صمود حماس أو اختراق بنيتها القيادية.

أما ثالثا: فالمستوى السياسي يكشف عن أزمة وجودية داخل إسرائيل، حيث تهدد أحزاب اليمين المتطرف بالانسحاب من الحكومة، بينما تفقد القيادة الإسرائيلية قدرتها على إقناع جمهورها بجدوى الحرب، وإسرائيل التي كانت تتوعد بمحو حماس، تملي عليها اليوم الشروط لوقف إطلاق النار.

أكثر من ذلك، لم تعد حماس مجرد فاعل محلي، بل تحولت إلى رمز عالمي للمقاومة، في لحظة فارقة تعيد تشكيل وعي المنطقة والعالم تجاه القضية الفلسطينية.

ويقر الصحفي الإسرائيلي “زيو روبنشتاين” بأن “يحيى السنوار لو كان حيا اليوم لأصبح أبا للأمة العربية”، بينما يرى الكاتب البريطاني “ديفيد هيرست” أن صمود الفلسطينيين رغم الحصار والمجاعة والدمار، يعد إنجازا مذهلا في ميزان هذه الحرب.

نتوقع من جهتنا أنه لن يمر هذا التحول دون تداعيات استراتيجية، إذ أن محور المقاومة، من إيران إلى حزب الله، يراقب المشهد ويرتب أوراقه وفق المعطيات الجديدة، وإسرائيل التي كثيرا ما فرضت إرادتها عسكريا، باتت اليوم تدرك أنها لم تحقق نصرا حاسما، ولن تتمكن من العودة إلى معادلات القوة القديمة التي لطالما اعتمدتها.

إذن، لم تكن هذه الصفقة، مجرد حدث عابر، بل نقطة تحول في مسار الصراع العربي الإسرائيلي، وإسرائيل لم تخرج فقط خاسرة في الميدان، بل خاسرة في الرواية والتاريخ والوعي الجمعي.

نعتقد أن ما جرى لم يكن مجرد انتصار تكتيكي لحماس، بل لحظة مفصلية في إعادة رسم خرائط القوة في الشرق الأوسط..

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.