دين بريس ـ سعيد الزياني
أطلقت الحكومة الإسبانية دليلا رسميا شاملا لمواجهة ظاهرة الإسلاموفوبيا وتصحيح المفاهيم المغلوطة حول المسلمين والمهاجرين، في خطوة تُعد من بين الأوسع على المستوى الأوروبي في هذا المجال.
ويهدف الدليل إلى تقديم رؤية علمية قائمة على البيانات لتفنيد الصور النمطية التي تربط الإسلام بالعنف أو المهاجرين بالاعتماد على المساعدات، وإبراز إسهام الجاليات المسلمة في الاقتصاد والمجتمع الإسباني.
استند التقرير إلى بيانات رسمية تؤكد أن الأجانب المقيمين في إسبانيا يساهمون بنسبة 10% من إيرادات الضمان الاجتماعي، بينما لا تمثل نفقاتهم سوى 1% من إجمالي المصروفات، وفق ما نقلته صحيفة El País عن التقرير الحكومي الصادر في 17 أكتوبر 2025.
كما أشار التحليل الذي أعدّته منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) إلى أن المهاجرين يكلفون الخزينة الإسبانية أقل من المواطنين بنسبة 32%، في حين تبلغ مساهمتهم الصافية السنوية نحو 1600 يورو إضافية مقارنة بغيرهم من السكان المحليين.
وفي سوق العمل، يبين التقرير أن نسبة مشاركة المهاجرين – بمن فيهم المسلمون – بلغت 69.3% مقابل 56.4% للسكان الإسبان، وهم يشغلون 72% من وظائف الخدمة المنزلية، و45% من وظائف قطاع السياحة، ونحو ثلث اليد العاملة في الزراعة والبناء.
ويرى معدّو الدليل أن هذه الأرقام تقدم صورة واقعية مغايرة للسائد، وتؤكد أن وجود المسلمين ضمن المهاجرين ليس عبئا اقتصاديا بل عنصر دعمٍ وإنتاج في المجتمع الإسباني الحديث.
على المستوى الرقمي، رصد المرصد الإسباني لمكافحة العنصرية وكراهية الأجانب (OBERAXE) أكثر من 600 ألف منشور معاد للمسلمين أو للمهاجرين المنحدرين من بلدان إسلامية بين يناير وغشت 2025، مع تسجيل ذروة بلغت 190 ألف منشور في يوليوز.
كما بين التقرير أن 31% من المسلمين أفادوا بتعرضهم للتمييز في حياتهم اليومية، خاصة في مجال السكن، حيث قال نحو 75% إنهم واجهوا رفضا بسبب انتمائهم الديني أو مظهرهم الثقافي.
وأكدت الوثيقة الحكومية أن ما يروج له في بعض الأوساط تحت شعار “أسلمة المجتمع الإسباني” لا يمت إلى الواقع بصلة، مشيرة إلى أن المسلمين يشكلون فقط نحو 2% من مجموع السكان، وأن إسبانيا تحتفظ بإحدى أدنى نسب الجريمة في أوروبا، ما يجعل ربط الإسلام بالعنف أو التطرف مجرد خطاب إيديولوجي مفارق للواقع الاجتماعي.
ويتضمن الدليل الحكومي مجموعة من التوصيات العملية لمواجهة تصاعد الإسلاموفوبيا، أبرزها تعزيز التربية على التعددية ومناهضة الكراهية في المناهج الدراسية، ودمج المهاجرين في النسيج الاقتصادي الوطني وإبراز إسهاماتهم في التنمية المحلية، ومراجعة السياسات العامة للهجرة والاندماج بما ينسجم مع المعطيات الواقعية لا الخطابات الأيديولوجية، إلى جانب تنسيق الجهود مع منصات التواصل الاجتماعي والجهات الأمنية لرصد المحتوى المحرض على الكراهية والتعامل معه بآليات فعالة.
ويأتي إصدار هذا الدليل في سياق سياسي يشهد تصاعدا ملحوظا في الخطاب اليميني المعادي للمهاجرين، خصوصا مع تبني حزب “فوكس” (Vox) لهذا الملف ضمن أجندته الانتخابية.
وتعتبر الحكومة أن الوثيقة تمثل خطوة استراتيجية لإعادة صياغة السرد العام حول الإسلام والهجرة في إسبانيا، عبر التركيز على مفاهيم المساهمة والتعايش بدل الاتهام والإقصاء.
ورغم الأثر الإيجابي المتوقع لهذه المبادرة على الوعي العام، يظل التحدي الأكبر في ترجمة هذه التوصيات إلى سياسات ملموسة، فبحسب دراسات موازية، لا يزال التمييز في السكن والتعليم وفرص العمل يمثل عائقا أمام الاندماج الكامل.
كما يشير الخبراء إلى أن رفع نسبة الإبلاغ عن حوادث التمييز، وتحسين التمثيل السياسي والثقافي للمسلمين والمهاجرين، سيكونان مفتاحين رئيسيين لإنجاح هذه الخطة.
وبينما تؤكد الحكومة الإسبانية أن هذه الوثيقة تضع الأساس لسياسة جديدة قائمة على الإدماج والتفاهم، يرى كثير من المراقبين أنها تشكل منعطفا في الخطاب الأوروبي تجاه الإسلاموفوبيا، ونموذجا يمكن لبقية الدول الأوروبية أن تستلهمه لمواجهة الكراهية بخطاب واقعي يستند إلى العلم والمعطيات لا إلى الخوف والأحكام المسبقة.