أطلقت الحكومة الإسبانية دليلا إرشاديا جديدا يهدف إلى تمكين المواطنين من التصدي لخطابات الكراهية التي تتفشى بشكل متزايد على وسائل التواصل الاجتماعي.
ويأتي هذا الدليل في إطار خطة وطنية شاملة أعدّتها الحكومة لمواجهة العنصرية وكراهية الأجانب، خصوصا بعد سلسلة من الأحداث العنصرية التي شهدتها البلاد، أبرزها اضطرابات “توري باتشيكو” التي فجرت موجة من الخطابات العدائية تجاه المهاجرين، لا سيما المسلمين وأبناء شمال إفريقيا.
وحددت الوثيقة الرسمية ثلاثة خصائص رئيسية تميز خطاب الكراهية، أولها الشكل الذي يُنشر به المحتوى، حيث يمكن أن يتخذ صورة نصوص أو صور أو مقاطع فيديو أو رسوم كاريكاتورية أو حتى إشارات وإيماءات تُبث عبر الإنترنت أو تُمارس في الواقع.
أما الخاصية الثانية فتتعلق بالمحتوى نفسه، الذي قد يكون تمييزيا أو تحقيريا، في حين تتمثل الخاصية الثالثة في ارتباط هذا الخطاب بسياقات تحريضية تؤدي إلى إشاعة الانقسام والعنف داخل المجتمع.
وسجّل المرصد الإسباني للعنصرية وكراهية الأجانب أن ثلاثة من كل أربعة رسائل كراهية خلال الأشهر الأخيرة استهدفت أشخاصا من شمال إفريقيا، فيما شهد المسلمون ارتفاعا في حجم هذه الاستهدافات، خاصة خلال شهر رمضان.
كما رُصدت رسائل معادية لمجتمعات أخرى مثل اليهود والغجر والآسيويين والأفارقة ومجتمع الميم، في تعبير واضح عن تزايد مشاعر الإقصاء والتمييز داخل الفضاء الرقمي الإسباني.
ونبه الدليل إلى أن هذه الخطابات تُستخدم بشكل متعمد لنشر معلومات زائفة تربط بين وجود بعض الفئات الاجتماعية وحالات من انعدام الأمن أو الفوضى، مستهدفة نزع الإنسانية عنهم وتبرير الإقصاء الاجتماعي ضدهم.
كما أشار إلى أن خطابات الكراهية لا تقتصر آثارها على الأذى النفسي، بل قد تتطور إلى أشكال من العنف المادي أو التخريب أو حتى الإبادة الجماعية في حالات متطرفة.
وقدّم الدليل مجموعة من التوصيات العملية للمواطنين لمواجهة هذه الظاهرة، حيث دعا إلى الامتناع عن إعادة نشر محتويات خطاب الكراهية أو التفاعل معها، وتفادي الدخول في مواجهات مباشرة مع ناشريها.
وأوصى بجمع الأدلة الرقمية كصور الشاشة التي توثق الرسالة ومرسلها وتاريخها، ثم تقديمها للجهات المختصة مثل الشرطة الوطنية أو النيابة العامة لجرائم الكراهية أو مكتب المساواة.
وأطلقت الحكومة بالتوازي مع هذا الدليل حملة توعوية عبر وسائل التواصل الاجتماعي وشبكة اللوحات الإعلانية في الأماكن العامة، تتضمن مقاطع مصورة ومنشورات تحسيسية تبرز خطورة خطاب الكراهية وآثاره المدمّرة على التماسك الاجتماعي.
وثمّن مرصد الأزهر لمكافحة التطرف صدور هذا الدليل الإرشادي من الحكومة الإسبانية، واعتبره خطوة إيجابية تعكس وعيا مؤسساتيا متقدما بخطورة خطاب الكراهية وتداعياته على التماسك المجتمعي.
وأشاد المرصد بالمنهجية التربوية التي اعتمدها الدليل في توعية الجمهور وتعزيز ثقافة الإبلاغ بدل المواجهة، مؤكدا أن مواجهة الكراهية مسؤولية جماعية تبدأ من التكوين الأخلاقي للفرد وتُستكمل بتشريعات حازمة وآليات تنفيذ فعالة.
ودعا المرصد في هذا السياق إلى تعميم مثل هذه المبادرات على باقي الدول الأوروبية، لما لها من دور في حماية الفئات المستهدفة من المهاجرين والمسلمين وغيرهم، ولما تمثله من حماية لقيم التعايش والسلم الاجتماعي.
كما شدد على ضرورة أن يصاحب الجهد القانوني والإعلامي مسارات تعليمية وتربوية تسهم في بناء وعي مجتمعي يحصّن الأجيال الجديدة ضد الأفكار المتطرفة وخطابات الكراهية الممنهجة.