6 أبريل 2025 / 15:57

إدريس لشكر وموقفه من حماس: قراءة سياسية أم خطوة نحو التطبيع؟

في السياسة، لا يمكن لأي رأي أن يكون محصنًا ضد الجدل، فكل موقف يعكس مرآة لحالة التفاعل السياسي والوطني. ولكن في بعض الأحيان، قد تثير بعض التصريحات التساؤلات حول التوجهات الحقيقية للأفراد والمؤسسات السياسية. وهذا ما حدث مع إدريس لشكر، الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، بعد تصريحه حول ما يحدث في غزة. تصريحات لشكر التي لاقت صدى واسعًا أثارت جدلاً كبيرًا بين مؤيد ومعارض، مما يطرح السؤال: هل كان الموقف جريئًا في تحليله للأحداث، أم أنه انحراف عن الثوابت الوطنية؟

منذ أن أدلى لشكر بتصريحه، اندلعت موجة من الجدل الحاد بين مختلف الأطياف السياسية. البعض اعتبر موقفه جرأة سياسية، بينما رأى آخرون أنه خروج عن الموقف الوطني الموحد. إذا نظرنا إلى التصريح من زاوية أخرى، يمكننا القول إن ما طرحه ليس رفضًا للمقاومة الفلسطينية، بل كان محاولة لتقديم تحليل سياسي يتعلق بتطورات الأوضاع الراهنة، وهو ما يتطلب منا التفكير النقدي بعيدًا عن العاطفة.

لكن المشكلة لا تكمن فقط في مضمون التصريح، بل في توقيته والسياق الذي أُطلق فيه. في لحظة تشهد فيها القضية الفلسطينية تحولات سياسية معقدة، تصبح أي قراءة بعيدة عن الاعتبارات الوطنية عرضة للتأويلات والمزايدات. كما أن هناك من يرى في هذا التصريح دعوة لإعادة تقييم المواقف بطريقة قد تفتح الأبواب أمام الخطابات التي تروج للتطبيع.

في هذا السياق، تظهر بوضوح المخاطر التي يترتب عليها التطبيع الثقافي والنفسي، وهو أمر يثير القلق بشكل أكبر من التطبيع السياسي نفسه. كما قالت حسناء أبوزيد، “التطبيع ليس وجهة نظر”، بل هو مشروع يهدف إلى إعادة تشكيل الوعي الجماعي بحيث يُقبل الاحتلال كأمر واقع، وتُقلب المفاهيم. تصبح المقاومة في هذه الحالة إرهابًا، ويُنظر إلى المحتل باعتباره حاميًا للسلام. هذه التحولات في الوعي تهدد ليس فقط القضية الفلسطينية، بل كذلك القيم الأساسية التي ناضل من أجلها الكثيرون.

موقف إدريس لشكر لا يمكن تفسيره فقط على أنه قراءة سياسية للواقع، بل هو يدخل في إطار الصراع الأوسع حول كيف يجب أن تتم معالجة القضية الفلسطينية في ظل المتغيرات الإقليمية والدولية. قد يكون هذا الموقف جزءًا من محاولة لتقديم رؤية توافقية في لحظة تتطلب وحدة الصف، لكنه يفتح الباب أمام النقاش حول حدود حرية النقد والتقييم في القضية الفلسطينية، خاصة عندما يأتي هذا النقد من خارج الإطار الفلسطيني.

الدرس الأهم الذي يمكن استخلاصه من هذا الجدل هو الحاجة إلى نقاش سياسي ناضج وغير عاطفي. علينا أن نتجنب التحول إلى دائرة من المزايدات السياسية أو الاستقطابات الحادة. القضية الفلسطينية تتطلب من الجميع أن يتجاوزوا الخطابات المطلقة، وأن يتجهوا نحو مساحة التفكير النقدي التي تساهم في تعزيز الوحدة وتحقيق أهداف الشعب الفلسطيني.

في النهاية، وفي إطار تعزيز الحوار الفكري حول هذه القضايا، يجب على الجميع أن يساهموا في هذا النقاش بروح من الانفتاح والمسؤولية. إن التفاعل مع الآراء المختلفة، حتى وإن كانت غير مريحة في بعض الأحيان، يساعد في بناء رؤية سياسية أكثر نضجًا وواقعية. وهذا هو الدور الذي يجب أن تلعبه الصحافة في تسليط الضوء على هذه المواقف وتحفيز النقاش البناء.