زعيم الخيرالله
الهرمنيوطيقا : هي فَنُّ الفهم ، أَو هي قواعدُ وأُصولُ لفهم النصوص أَيّاً كانَ لونُها ، سواء كانت نصوصاً دينيّة أَم بشريّة . وطُبِّقَتْ على الكتب المُقَدّسَةِ ومنها التوراةُ والانجيلُ ، ولكن مابعد الحداثيين عندنا طبقوها على النَّصِ القُرآنيِّ الذي لايأتيه الباطلُ من بين يديه ولامن خلفه.
والهرمنيوطيقا لها أُصولٌ وقواعدُ ومرتكزات في عملية فهم النص منها : التأريخيّة والتي تعني ان نقرأَ النَصَّ الدِّينِيِّ باعتبارهِ نَصاً تأريخيّاً يُقرأُ من خلالِ سياقاتِهِ والظروفِ الاجتماعيّةِ التي انتجتهُ . هكذا تَحَدثَ نصر حامد ابو زيد وحسن حنفي ومحمد اركون وطيب تيزيني . ومن هذه المرتكزات التي أَقامت عليها الهرمنيوطيقا بنيانَها ، النسبيّة : وهي نزع صفة الاطلاق والقداسة عن النص الدينيِّ والتعامل معه على أَنَّهُ نصٌ تأريخيٌّ أَنتَجَتْهُ ظروفٌ معيَّنَة ، والنسبية متفرعة عن التأريخيّة .
وَيُعَدُّ شلاير ماخر مؤسساً للهرمنيوطيقا ، وجاء بعدهُ دلتاي ليكمل مشوار هذا الفهم ، وهذه الهرمنيوطيقا . وجاء بعدهما مارتن هايدغر وغادامير …. وقد كانت الهرمنيوطيقا في بداياتها تؤكدُ على الوصول الى المراد من كلام المؤلف … حتى جاءت قولةُ ” رولان بارت ” بموتِ المؤلِّفِ … نيتشه قال بموت الاله وهذا قال بموت المؤلف .
كُلُّ الذينَ تَبَنَوا الهرمنيوطيقا من أبناء جلدَتِنا ، صَبَّوا جامَ غَضَبِهم ، على الامام الشافعيِّ ، وأَشادوا بالشاطِبِيِّ لماذا؟؟ لانَّ الامامَ الشافِعَيَّ هو واضعُ علم أُصولِ الفقه ، على اختلاف في القول في من اسس علم أُصولِ الفقهِ ، هل هم تلامذةُ الامامِ ابي حنيفةَ؟ ام تلامذةُ أَئمةِ اهل البيتِ عليهم السلام ، حيث أَلَّفَ بَعْضُهُم رسائل في بعضِ المسائل الاصوليّةِ ؟ ولكن كتابة بعض الرسائل في بعض المسائل الاصولية لايسمى تأسيساً لعلم ما. خصوصاً – ونحن نعتقد- وكما ذَهَبَ السَّيِّدُ الصدر الى أَننا لسنا بحاجة الى علم أُصولِ الفقه في زمن الائمة عليهم السلام ؛ لأنَّ النصَ عندنا استَمرَ بوجود الائمةِ عليهم السلام .
الامام الشافعيُّ جمع هذا العلمَ في كتابٍ وبوبه وأَفاضَ في الحديثِ عن مسائلهِ ، فهو المؤسس لهذا العلم . أَمّا الامامُ الشاطِبِيِّ الذي أشادَ بهِ كُتّابُ مابعدَ الحَداثَةِ ، وإدّعى بعضُهم أَنَّ هناكَ قطيعةً معرفيّةً بين الشافعيِّ والشاطِبِيِّ في حين ان الشاطبي اخذ مباحث الالفاظ والدلالات عن الامام الشافعيِّ ؛ فبينَهُما تواصُلٌ مَعرِفِيٌّ لاقطيعة معرفيّة .
وعلمُ أُصولِ الفقه هو علمُ اسسِ الفهم ؛ لان اصولَ تعني اسسَ والفقه يعني الفهم ؛ فهذا العلمُ الجليلُ معنِيٌّ بوضعِ قواعدَ للفهم؛ ومن هنا جاءت الحملةُ على الامام الشافعيِّ ؛ لانه وضع قواعد لاسس الفهم .
وعلم أُصولِ الفقهِ هو علمٌ اسلاميٌّ خالصٌ ليس فيه شائبة استيرادٍ من أَحَدٍ . وأَغلبُ كتاب مابعد الحداثة هم لايريدون أَنْ يتقيدوا بهذا الفهم ، وبعلم اصول الفقه الذي انبثقَ من النصوصِ الدينيّة ، ويريدون ان ينفلتوا في قراءة النصِّ الدينيِّ ويتحرروا من قيوده والزاماته وينطلقوا مع الهرمنيوطيقا التي اعلنت موت المؤلف ليتحرروا من قول المؤلف الذي هو الله بالنسبة للنصِّ القُرآنِيِّ ، ويقرؤوا النصَ قراءةً متحررةً من كل الزاماتٍ .
النص القرآنيُّ بشكلٍ خاصٍ والنصُّ الدينيُّ بشكلٍ عام هو نصٌ تأريخيٌّ في القراءة الهرمنيوطيقيّة ، يُقرأ ضمن السياقات التأريخيّة والاجتماعيّة التي انتجته ، ولاوجود لله والغيب والملائكة وجبريل الذي نزل بالقرآن على صدر النبيِّ (ص) . الوحي وحي داخليٌّ-كما قال الدكتور سروش- كالوحي الى النحلة ولاوجود لموجودات نقلت الوحي للنبي(ص) .
هذه القراءات الهرمنيوطيقيّة قراءات لاتؤمن بقداسة النص الديني ولاتؤمن انه نص مفارق ونَصٌّ عُلوِيٌّ ، ولاالنبي متصل بعالم الغيب ويتلقى الوحي من ذلكَ العالَم.
المصدر : https://dinpresse.net/?p=14801