زعيم الخيرالله
قَدْ يَسْتَغْرِبُ القارئُ العزيز من افتتاحِ مقالي بهذا العنوانِ المُثيرِ ، وَيَتَساءَلُ هلْ هناكَ “أَنا إِيجابِيَّة”؟
والجواب: نعم ؛ فالمُشْكِلَةُ ليست بالأَنا وانما هي بالأنانِيَّةِ التي هي تضخمُ الانا وَجَعلُها محوراً وَمركَزَ استقطاب ، وهذا هو مَنطقُ الطُغاةِ الذينَ قَصَّ لنا القُرآنُ حكايَتَهم ، هذا هو منطقُ فرعون الذي تحدث بمنطقِ الانانيّة ، منطق “الانا” المتضخمة بقوله كما حكى القُرآنُ الكريمُ عنهُ : (فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَىٰ ). النازعات: الاية:(24).
وبذاتِ المنطق تحدث النمرودُ مع خليل الله ابراهيم عليه السلام: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ ۖ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ). البقرة: الاية: (258).
وبهذا المنطقِ ذاتِهِ تحدثَ صاحبُ الجنتينِ ، تحدثَ بمنطق الانا المتضخمة المتعالية : (وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا ). الكهف:الاية:(34)
الانا اذا تحولت الى مركز استقطاب تدور حوله النفس بكل شهواتها وأَهوائِها فهذهِ تشكل حالة خطرة تنفلتُ النفسُ فيه من مركز استقطابِها الحقيقي “الله” لتكون مركزاً ومحوراً لتعيش في أَوهامِها وضلالاتها.
الانا الايجابية تتحدثُ عن مركز استقطاب ، ومحور ارتباط ، وهذا المنطقُ تحدث به المرسلون وأولياءُ اللهِ الصالحونَ ، هكذا تحدثت مريمُ البتول الطاهرة: (قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَٰنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا).مريم:الاية: (18)، هذه الانا التي تحدثت بها مريمُ عليها السلامُ ” إِني” هي انا ايجابِيَّة ؛ لانها مرتبطة بالمحور ، بمركز الاستقطاب ، هي ليست انا منفلتة عن المركز وفاقدة لتوازنها ، هي انا مستعيذة بالمحور ؛ فهي أَنا ايجابِيَّة.
وبذات المنطقُ تحدثَ خليلُ الله ابراهيم عليه السلام كما حكى الله تعالى عنه: (إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا ۖ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ). الانعام: الاية:(79). فالمحورُ والوجهة هي الله تعالى.
وقوله تعالى: (لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ ۖ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ ).المائدة: الاية: (28). الذي منع ابن آدم من ان يقتل اخاه قابيل هو ليس الانا المنفلتة وانما هي الانا المرتبطة بالمحور ، الانا التي تخاف الله ، ونفس قابيل المنفلتة من محورها سولت له قتل اخيه فقتله .وقولهُ تعالى: (وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا ۚ إِنَّهُم مُّلَاقُو رَبِّهِمْ وَلَٰكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ).هود: الاية: (29)
وقوله تعالى على لسان يُوسُفَ الصِّدِّيقِ عليه السلام : (قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ۖ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ). يوسف: الاية:(108).
وحتى الايثار الذي يقابل الاثرة والانانية ايضاً مرتبط بمحور الارتباط ، بالله تعالى ومرضاته ووجهه الكريم ، يقول الله تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ). البقرة: (207)
فعلي عليه السلام وهو يقدم نفسه ايثاراً من اجل ان يبقى النبي (ص) وتبقى رسالتُهُ ، كان يبغي مرضاة الله ، هذه هي الانا الايجابية المرتبطة بمحور الوجود ومركز الاستقطاب في هذا الوجود.
وقمة الايثار الذي قدمه علي عليه السلام والزهراء البتول عليها السلام والحسنان عليهما السلام والذي نزل فيه قرآنٌ يتلى: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا ). الانسان: الاية:(8)، هم قالوا : ( إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ ٱللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَآءً وَلَا شُكُورًا). الانسان: الاية: 9 ، هم قالوا: لانريد منكم جزاءً ولاشكوراً ، ولكن الله اعطاهم الجزاء الاوفى وقال لهم : (إِنَّ هَٰذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُورًا ). الانسان:(22).
اذن: ليست الانا هي المذمومة ، وانما الانانيّة هي المذمومةُ ، تضخم الانا هو المذموم ، والامام الحسين عليه السلام الذي نعيش ذكراه هذه الايام ، فانه قدم كل هذه التضحيات من اجل الله ومن اجل مرضاته تعالى حيث قال عليه السلام: اللهم ان كان هذا يرضيك فخذ حتى ترضى.
المصدر : https://dinpresse.net/?p=15477