أوروبا عند منعطف حاسم: نحو إعادة تعريف المشروع الأوروبي
رشيد المباركي
تواجه أوروبا، في ظلّ سياق دولي متقلب وتوترات داخلية متصاعدة، مرحلة من إعادة النظر العميقة في مسارها. إذ تكشف التحديات الجيوسياسية والاقتصادية التي تعصف بالقارّة عن حدود النموذج الذي بُني بعد الحرب العالمية الثانية، وتدفع نحو التفكير مجددا في الأسس التي يقوم عليها المشروع الأوروبي: هذه أهم خلاصات تقرير نشرته منصة “لوغران كونتينان” الأوروبية.
بين ضغوط خارجية ونزاعات قريبة من حدودها وتنافس اقتصادي عالمي، تجد أوروبا نفسها اليوم أمام سلسلة من الأزمات المتزامنة. وإلى جانب ذلك، تبرز الانقسامات الداخلية: صعود الحركات الشعبوية، تراجع فعالية المؤسسات الديمقراطية، وتباين الرؤى الوطنية. كل ذلك يضعف تماسكها ويجعل الحاجة إلى تجديد مشروعها أكثر إلحاحا.
ــ اعتمدت عملية البناء الأوروبي، منذ نشأتها، على هاجس اقتصادي قبل كل شيء: السوق المشتركة، التقارب النقدي، السياسات التجارية. غير أنّ هذا الأساس، مهما كان مهما، لم يعد كافيا لترسيخ وحدة سياسية وثقافية دائمة. فالاتحاد القائم على المصالح الاقتصادية وحدها لا يستطيع أن يصنع وعيا مشتركا بمستقبل واحد، ومن هنا تبرز الحاجة إلى رؤية أوسع — رؤية تمنح المشروع الأوروبي بعدا ثقافيا وتاريخيا وإنسانيا، وتقوم على قيم وهوية وذاكرة مشتركة.
حسب المنصة، تتطلب إعادة بناء أوروبا تجاوز الأطر التقليدية والانطلاق في مسار يعيد طرح سؤال الهوية الأوروبية. فهذه “الواجهة الشمالية” للمشروع تعني إعادة تعريف معنى الانتماء الأوروبي اليوم: شعور بالهوية المشتركة، وذاكرة متداخلة، وقيم ديمقراطية راسخة.
يتطلب تجديد المشروع الأوروبي إرادة سياسية، ومشاركة مواطنية، وقدرة على تجاوز النزاعات الوطنية الضيقة. والتحدي كبير: كيف يمكن بناء هوية جماعية في عالم منقسم، يطغى عليه عدم اليقين والأزمات المتكررة؟
التعليقات