ألمانيا تُغلق الأبواب وتفتح الخزائن: استثمار ضخم يقابله تشديد على المهاجرين

دينبريس
آراء ومواقف
دينبريسمنذ 3 ساعاتآخر تحديث : الإثنين 10 مارس 2025 - 3:09 مساءً
ألمانيا تُغلق الأبواب وتفتح الخزائن: استثمار ضخم يقابله تشديد على المهاجرين

محمد عسيلة
أعلنت الحكومة الألمانية عن حزمة إصلاحات جديدة تشمل عدة مجالات حيوية، من الاقتصاد والاستثمار إلى قوانين الهجرة والأمن وسوق العمل. هذه التغييرات تأتي في سياق تحديات متزايدة تواجه ألمانيا، سواء على المستوى الداخلي أو في سياقها الأوروبي والدولي، وتستهدف تحقيق استقرار اقتصادي أكبر، تنظيم سوق العمل، وتشديد الإجراءات المتعلقة بالهجرة واللجوء.

على المستوى الاقتصادي، خصصت الحكومة استثمارات ضخمة تصل إلى 500 مليار يورو لتحفيز النمو، مع التركيز على البنية التحتية، الصحة، التعليم، الرقمنة والطاقة. كما سيتم تخفيض الضرائب على الشركات، خاصة في القطاعات الاستراتيجية مثل الرقائق الإلكترونية والطاقات المتجددة، إلى جانب تخفيض تكاليف الكهرباء لتعزيز تنافسية الاقتصاد الألماني عالميًا. أما في قطاع الفلاحة، فقد تقرر إعادة دعم تعويضات الوقود في خطوة لدعم الفلاحين المتضررين من التكاليف المتزايدة.

لكن أحد أكثر الجوانب إثارة للجدل في هذه الإصلاحات هو التشديد الكبير في سياسات اللجوء والهجرة. سيتم رفض طلبات اللجوء مباشرة عند الحدود إذا كان طالب اللجوء قادمًا من دولة أوروبية آمنة، مع وقف لمّ الشمل بالنسبة للاجئين الحاصلين على حماية محدودة. كما سيتم إدخال نظام جديد للدفع الإلكتروني للمهاجرين، حيث لن يحصلوا على مساعدات نقدية بعد الآن، مما سيحد من إمكانية تحويل الأموال إلى الخارج. بالإضافة إلى ذلك، ستعزز الحكومة عمليات ترحيل المهاجرين غير القانونيين، وستمارس ضغطًا أكبر على الدول التي ترفض استقبال مواطنيها المرحّلين.

أما على مستوى الأمن والدفاع، فسترتفع ميزانية الجيش بشكل كبير مع تسريع عمليات شراء الأسلحة والمعدات العسكرية، في الوقت الذي يستمر فيه الدعم الألماني لأوكرانيا عسكريًا وماليًا. داخليًا، سيتم منح الشرطة صلاحيات أوسع لاحتجاز المهاجرين غير القانونيين لفترات أطول إلى حين ترحيلهم، وهو إجراء أثار الكثير من الجدل الحقوقي. كما سيكون بالإمكان سحب الجنسية من مزدوجي الجنسية في حال تورطهم في الإرهاب أو الأعمال التي تعتبر معادية للديمقراطية.

في سوق العمل، ستصبح المساعدات الاجتماعية أكثر صرامة، حيث ستُفرض عقوبات أشد على العاطلين عن العمل الذين يرفضون عروض العمل، وقد يتم إيقاف الدعم بشكل كامل لمن يرفض العمل أكثر من مرة. في المقابل، سيتم تسهيل إجراءات قدوم العمال المهرة عبر تبسيط الاعتراف بالشهادات الأجنبية، وهو إجراء قد يخفف النقص الكبير في بعض القطاعات. كما تقرر رفع الحد الأدنى للأجور تدريجيًا ليصل إلى 15 يورو في الساعة بحلول عام 2026، وهي خطوة من شأنها تحسين الظروف المعيشية للعمال ذوي الدخل المحدود.

وفيما يتعلق بالسكن، قررت الحكومة تمديد العمل بقانون كبح الإيجارات لمدة عامين إضافيين، بهدف منع الارتفاع السريع في الأسعار، كما سيتم تسريع بناء المساكن الاجتماعية وتبسيط قوانين البناء، وهو ما قد يساعد في تخفيف أزمة السكن في المدن الكبرى. أما في قطاعي الصحة والتعليم، فستشهد المستشفيات تحسينات على مستوى الخدمات، وستتم إعادة دعم دور الحضانة المتخصصة في تعليم الأطفال ذوي الصعوبات اللغوية، في خطوة تهدف إلى تعزيز الاندماج اللغوي للأطفال من أصول مهاجرة منذ الصغر.

هذه الإصلاحات سيكون لها تأثير مباشر على الأجانب والمهاجرين في ألمانيا. فبينما سيجد العمال المهرة فرصًا أفضل لدخول سوق العمل، سيواجه طالبو اللجوء والمهاجرون غير القانونيين قيودًا أكبر، وقد تزداد الضغوط الاجتماعية على الفئات الضعيفة التي تعتمد على المساعدات الاجتماعية. من جهة أخرى، فإن تشديد القوانين الأمنية قد يثير نقاشًا واسعًا حول الحريات الفردية، في وقت يشهد فيه الخطاب السياسي الألماني تحولًا واضحًا نحو سياسات أكثر صرامة تجاه الهجرة.

وعليه تسعى الحكومة من خلال هذه الإصلاحات إلى تحقيق توازن بين دعم الاقتصاد، ضبط سوق العمل، وتعزيز الأمن.

لكن التحدي الأكبر يكمن في مدى تأثير هذه السياسات على التماسك الاجتماعي في ألمانيا، خاصة مع ارتفاع الأصوات الناقدة لهذه التوجهات الجديدة.

وبينما يرى البعض أنها ضرورية للحفاظ على استقرار البلاد، يحذر آخرون من أنها قد تؤدي إلى مزيد من الاستقطاب داخل المجتمع الألماني.

هذه التغييرات الجذرية في السياسات الألمانية تعكس تحولًا واضحًا في أولويات الحكومة، حيث تسعى إلى ضخ استثمارات هائلة لدعم الاقتصاد والبنية التحتية، بينما تتخذ نهجًا أكثر صرامة تجاه الهجرة واللجوء. وبينما يرى المؤيدون أن هذه الإجراءات ضرورية لحماية الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، يحذر المعارضون من أن تشديد القوانين قد يزيد من التوترات الاجتماعية ويؤثر على صورة ألمانيا كبلد منفتح.

يبقى السؤال الأهم: هل ستنجح هذه الإصلاحات في تحقيق التوازن المطلوب أم أنها ستفتح الباب لمزيد من الجدل والانقسامات داخل المجتمع الألماني؟
ـــــــــــــــــــ
* استاذ باحث في قضايا الدين والثقافة والهجرة
استاذ محاضر بالمدرسة العليا للعلوم الاجتماعية التطبيقية بكولونيا
مستشار في قضايا الاندماج والتربية والتعليم لدى هيئات تعليمية ومدرسية ولائية بألمانيا

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.