دين بريس ـ سعيد الزياني
في صباح يوم خريفي دافئ عام 2012، وقف شاب عشريني يدعى “تشارلي كيرك” على منصة صغيرة في إحدى الفعاليات الطلابية، بنظرة واثقة تحمل ملامح الحلم الذي لطالما راوده: بناء جيل شاب قادر على تغيير معادلة السياسة الأمريكية.
وكان المشهد بسيطا، لكنه كان إيذانا ببداية تحول كبير، حيث أطلق كيرك حينها منظمة “نقطة التحول في أمريكا” (Turning Point USA)، التي أصبحت لاحقا حركة طلابية وطنية واسعة التأثير.
“كيرك”، الذي وُلد ونشأ في ضواحي شيكاغو، أظهر منذ صغره اهتماما بالشأن العام. وفي مراهقته، قاد حملات طلابية ضد رفع أسعار الكافيتيريا، وشارك في دعم حملة مارك كيرك لمجلس الشيوخ الأمريكي. ورغم التحاقه بكلية هاربر لفترة قصيرة، سرعان ما قرر أن التعليم الأكاديمي التقليدي ليس طريقه، تاركا المقاعد الدراسية لينطلق في عالم السياسة.
وبدعم من عضو حزب الشاي، بيل مونتغمري، ومساهمات مانحين كبار مثل فوستر فريس، أسس كيرك منظمة TPUSA، التي نمت بشكل مذهل لتشمل أكثر من 3000 مدرسة ثانوية وجامعة، وتضم أكثر من 650,000 طالب.
وتحولت TPUSA إلى ظاهرة سياسية واجتماعية، حيث مزج “كيرك” بين الحماس الشبابي والأساليب الرقمية الحديثة لنشر أفكار المنظمة ومن خلال مبادرات مثل “قائمة مراقبة الأساتذة” التي تتبع الأكاديميين ذوي التوجهات التقدمية، ومبادرات أخرى استهدفت المجالس المدرسية، تمكن كيرك من خلق نقاش وطني حول التعليم والهوية الثقافية.
ولم يكن تأثير “كيرك” محصورا في التنظيم فقط، بل امتد إلى الإعلام، برؤية استراتيجية، ظهر في آلاف الوسائل الإعلامية البارزة مثل Fox News وThe Washington Post، مقدما أفكاره بوضوح وإقناع، مما رسخ مكانته كأحد أبرز الأصوات المحافظة، كما نُشرت أعماله في صحف ومجلات رفيعة مثل RealClearPolitics وThe American Mind، محققًا شهرة تجاوزت الأوساط التقليدية.
وتجلى تأثير “كيرك” الأدبي في كتبه الأربعة، التي لم تكن مجرد منشورات، بل صرخات سياسية وثقافية صاغها بعناية. وأبرز هذه الأعمال كان كتاب “عقيدة MAGA”، الذي تصدر قوائم المبيعات وقدم رؤيته للسياسات الوطنية المحافظة. كما أطلق كتاب “احتيال الكلية”، مهاجما فيه نظام التعليم العالي الأمريكي بوصفه أداة لغسل عقول الشباب. وفي ربيع 2024، يتوقع أن يصدر كتابه الجديد “الثورة اليمينية: كيفية هزيمة الاستيقاظ وإنقاذ الغرب”، حيث يعيد طرح رؤاه الجريئة بجرأة أكبر.
ولم يكن طريق كيرك مفروشا بالورود، لكنه وجد حليفه الأبرز في الرئيس السابق دونالد ترامب فمنذ عام 2016، وقف “كيرك” في مقدمة الداعمين لحملة ترامب، معززا رؤى الرئيس المحافظ بين الشباب. وفي مؤتمر “أمريكا فيست” الأخير، ظهر مرتديا قبعة حمراء بشعار “اجعل أمريكا عظيمة مجددا”، مؤكدا التزامه بدعم ترامب في استعادة النفوذ المحافظ.
في العصر الرقمي، أثبت “كيرك” أنه سيد التأثير، حيث تصل منشوراته على وسائل التواصل الاجتماعي إلى أكثر من 100 مليون شخص شهريا. وصنفته Axios ضمن “أفضل 10 حسابات تفاعلية في العالم”، أما برنامجه “عرض تشارلي كيرك”، فقد حقق أكثر من 120 مليون تحميل، ليصبح من أبرز برامج البودكاست الإخبارية.
وبالرغم من نجاحاته، أثارت مواقف “كيرك” الكثير من الجدل، فتصريحاته بشأن انتخابات 2020 وقضايا مثل جورج فلويد والعلاقات المثلية أثارت ردود فعل واسعة، جعلته في مرمى نيران منتقديه الذين وصفوه بالصوت الصارم لليمين المتشدد، لكنه في المقابل، يصر على أن رؤاه مستمدة من مبادئه الراسخة وإيمانه بضرورة العودة إلى القيم المسيحية التقليدية.
في النهاية، يمثل “تشارلي كيرك” نموذجا استثنائيا لشاب تحدى الأعراف وصنع لنفسه مكانة محورية في السياسة الأمريكية. وبرؤيته الواضحة وشبكاته الواسعة، يسعى إلى الحفاظ على الإرث المحافظ وتعزيز القيم المسيحية، مؤكدًا أن القصة لم تنتهِ بعد، بل هي مجرد بداية لصراع طويل سيحدد مستقبل السياسة الأمريكية.
المصدر : https://dinpresse.net/?p=22588